التقييم 5/5
لا يقيم المرء ديكتاتورية حتى يحمي ثورة… يقوم المرء بثورة حتى يبني حكماً ديكتاتورياً!
الكاتب “بلال فضل” في أحد حلقات برنامج عصير الكتب تحدث عن الاقتباسات التي ينشرها الناس على شبكات التواصل الاجتماعي من كتب قديمة مثل “مقدمة ابن خلدون” أو “مهزلة العقل العربي” أو “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” أو حتى حديثاً مثل كتب الراحل “د. فرج فودة”، وكان يستعجب كيف ان كتاب صدر منذ عشرات السنين يصف حالنا اليوم بدقة كبيرة، ذلك شيء مثير للحزن وليس للإعجاب. ذلك يعني اننا لم نتغير كمجتمعات منذ مئات السنين. ذات المشاكل وذات الفساد وذات التخلف! وتحدّث وقتها عن الفرق بين من يرى التاريخ كخط مستقيم ومن يراه كدائرة تُعيد نفسها مراراً وتكراراً. رواية 1984 -للأسف- تجعلك حزيناً، ستتعجب من كيف أن كل الأنظمة الفاسدة تسير على نفس الخطى بدون أدنى اختلاف! وكأنهم يقرأون من نفس “الكتالوج”.
إن كان هنالك من أمل، فالأمل يكمن في عامة الشعب
نفس السيطرة على الإعلام، نفس القتل، نفس الفساد في كل مؤسسات الدولة. نفس حالة الانهيار الاقتصادي المصاحبة لكل ديكتاتورية. نفس المسئولين المجرمين الذين أزعجونا حديثاً عن الشرف والوطنية وقيمة العمل ودعم الفقراء… الخ
الرواية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الاول ليس به “حوارات” بين الشخصيات بكثرة، ويعتمد على السرد. هي أشبه بمذكرات أو تأملات البطل في حال البلاد. كيف يفكر ويرى ويتفاعل مع هذا المجتمع. عبارة عن وصف لعالم الرواية. أما في القسم الثاني سيقوم البطل والبطلة بمقابلة للانضمام لمنظمة سرية، وسيأخذ البطل كتاب “سري” به شرح لأفكار تلك المنظمة. واثناء قراتي لنص الكتاب شعرت أن هذا هو الذي كان يريد أن يقوله “جورج أورويل” ولكن وضعه في قالب روائي ليخفف من حدة الأمر. أما في القسم الثالث والأخير… حسناً لا أريد أن أفسده على من لم يقرأ الرواية بعد. بالنسبة لي يمكنك الاكتفاء بقراءة القسم الثاني فقط بشكل منفصل بدون الرواية وستصلك الفكرة بشكل جيد. ولكن القسم الثالث من الرواية السبب الوحيد -من وجهة نظري- لقراءته هو “السطر الأخير في الرواية”.
– كيف يفرض إنسان سيطرته على إنسان آخر يا ونستون؟
– فكر ونستون ثم قال: “بأن يجعله يعاني”
من سخرية القدر أنني قرأت الرواية في ظل إجتياح فيروس كورونا، وأن أرى بنفسي كيف قامت الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية بالتعامل مع الفيروس. كيف ان دولة مثل ألمانيا وبريطانيا وأمريكا أعلنوا ان الفيروس سينتشر بشكل أكبر وأن أعداد الوفيات ستكون أكبر، وكانوا أكثر شفافية في إعلان التقارير عن الحالات المصابة والمتوفاة. أما في الجانب الآخر كيف أن دولاً عربية ظلت تماطل وتنكر -لأن مصر مذكورة في القرآن والإنجيل- وتخفي الاحصائيات حتى أجبرتها الأحداث أن تُعلن عن الأرقام.
هذا أول عمل أقراه للكاتب وبدأت بالفعل بثاني أشهر رواياته: “مزرعة الحيوان”. ثم بعد ذلك سأبدأ في قراءة روايتين لنفس الكاتب ايضاً وهم “أيام في بورما” و”هدنة لالتقاط الأنفاس” وهم من نشر مؤسسة هنداوي.
قرأت النصف الاول من الرواية من ترجمة “أنور الشامي” صادرة عن “المركز الثقافي العربي”، والنصف الثاني من ترجمة “الحارث النبهان” صادرة عن “دار التنوير” وكلاهما جيد جداً. لكن كلا الغلافيين سيء!
أخيراً بعض الفقرات اللي عجبتني في الرواية:
البشر جميعًا أعداؤنا! والحيوانات كلها رفاقنا
على امتداد التاريخ المسجّل كلّه. بل ربما منذ نهاية العصر الحجري الحديث، كان في العالم أنواع ثلاثة من البشر، الطبقة العليا، والطبقة الوسطى، والطبقة الدنيا. وكان هؤلاء منقسمون إلى أقسام فرعية بطرق كثيرة. وحملت هذه الأقسام ما لا يُحصى من الأسماء، فضلاً عن أن أعدادها النسبية، إضافة إلى موقف كل منها من البقية، قد شهدت اختلافاً من عصر إلى آخر: لكن بنية المجتمع الأساسية لم تتغير أبداً. وحتى بعد الهبّات الكبرى والتغيرات التي بدت كأنها لا عودة عنها، فقد ظل هذا النوذج يؤكد نفسه على الدوام، تمامً مثلما يستعيد الجيروسكوب توازنه دائماً مهما دُفِع إلى الإنجراف في هذه الناحية أو تلك.
إن أهداف هذه الجماعات غير قابلة للتوفيق بينها على الإطلاق. تريد الطبقة العليا أن تبقى حيث هي. وتريد الطبقة الوسطى أن تحل محلها. وأما هدف الطبقة الدنيا، عندما يكن لها هدف… لأن من الخصائص الملازمة للطبقة الدنيا أنها مسحوقة تحت وطأة بؤسها إلى درجة لا تكاد تجعلها قادرة على إدراك شيء خارج مقتضيات حياتها اليومية، إلا لماماً… فهو إلغاء التمايزات كافة وإقامة مجتمع يتساوى فيه الناس جميعاً. ومن هنا، فقد امتد على طول التاريخ صراع متكرر مرة بعد مرة وله الخطوط الأساسية ذاتها. كانت الطبقة العليا تبدو مستقرة في السلطة زمناً طويلاً. لكن لحظة تأتي، عاجلاً أو آجلاً، تفقد عندما إيمانها في نفسها أو قدرتها على الحكم بفعالية، أو الأمرين معاً. وعند ذلك تطيح بها الطبقة الوسطى التي تجنِّد الطبقة الدنيا في صفها عبر تظاهرها أمامها بأنها تقاتل من أجل الحرية والعدالة. وفور وصول الطبقة الوسطى إلى هدفها، فإنها تعيد الطبقة الدنيا إلى موقعها العبودي السابق وتجعل من نفسها طبقة عليا. وفي الحال تنشأ طبقة وسطى جديدة منشطرة من واحدة من الجماعتين، أو من الجماعتين معاً، ويبدأ الصراع نفسه من جديد. ومن بين المجموعات الثلاث، تتميز الدنيا وحدها بأن النجاح لم يكن يوماً من الأيام حليفاً لها في تحقيق أهدافها.
ثمة طرق أربع، لا غير، يمكن بها أن تخسر الجماعة الحاكمة سلطتها. فإما أن تتعرض لغزو خارجي، أو أن تحكم على نحو عديم الكفاءة إلى حد يجعل الجماهير تتحرك وتثور عليها، أو أن تسمح بوجود طبقة وسطى قوية غير منضبطة، أو أن تفقد ثقتها بنفسها وتفقد إرادتها في الحكم. إن هذه الأسباب لا تعمل منفصلة. بل إن كلاً منها، وهذه قاعدة، يكون حاضراً بدرجة ما. وتظل الطبقة الحاكمة التي تتمكن من اتخاذ احتياطاتها إزاء هذه الأسباب كلها في السلطة من غير نهاية. على أن الموقف الذهني للطبقة الحاكمة نفسها يظل هو العامل المحدِّد في نهاية المطاف.
أن أعباء الزعامة سهلة أو هينة أو أنها من الأمور التى تبعث على السعادة! إن الرفيق نابليون هو أول من يؤمن بأن الحيوانات كلها سواسية، وكان بوده أن يترك لها حرية اتخاذ القرارات إلا أنه يخشى عليها مغبة اتخاذ الحلول الخاطئة!
شارك أصدقائك هذا الموضوع: