Last updated on 16 أبريل، 2023
التقييم 5/5
تعرفت أول مرة على الشيخ عبدالله العجيري من خلال بودكاست فنجان من إذاعة “ثمانية” على اليوتوب ومن ثم شاهدت مناظرة له على اليوتيوب وتفاجئت من مدى ثقافته ودماسة خلقه ثم تلى ذلك مقطع عن نظرية التطور لداروين يتجاوز الثلاث ساعات لم أشعر خلالهم بأي لحظة ملل. شخص رزين وهادئ يجيد التعبير عن أفكاره بشكل منظم ويناقش بدون تعصب أو عصبية أو سخرية أو تكفير.
ومن ثم يأتي هذا الكتاب استكمالاً لرحلتي مع الشيخ. فهو يتحدث عن موضوع أحب أن أقرأ عنه وهو “الإلحاد”. يعتبر الكتاب طلب صادق للجميع للتخلي عن الأفكار التي نعيشها في الوطن العربي تجاه ظاهرة الإلحاد وهي دعوة حقيقة من الكاتب للاستعداد ليوم آتٍ لا محالة للصدام مع الالحاد وجهاً لوجه، قد يكون وجه صديق أو حبيب أو قريب… أو ابن.
ينقسم الكتاب بشكل عام إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يعطينا الكاتب في القسم الأول لمحة عامة عن ظاهرة الإلحاد في الوقت الحالي في الغرب من خلال تزايد أعداد الكتب المطبوعة أو البرامج الإذاعية أو التواجد المكثف في الأفلام والإعلام والانترنت، وكيف أصبح الملحدون نجوم في المجتمع لهم أتباع على استعداد للتضحية بحياتهم دفاعاً عن نجمهم وإلحاده وإلحادهم! للأسف الشديد تجاوز الإلحاد الغربي المسيحية -على الرغم أن معظمهم كانوا مسيحيين أو نشأوا في أُسْر مسيحية- وأصبحوا يستهدفون بشكل مباشر وقوي الدين الإسلامي. وبسبب عدائيتهم وعنفهم في الهجوم على الدين عامة والإسلام خاصة تعرضوا للانتقاد من بعضم العلماء الملحدين أنفسهم، بل واعتبر هؤلاء العلماء الملحدون أن هؤلاء الملحدون أمثال “تشارلز دوكنز” هم مثال سيء للإلحاد.
يشكل حادث الحادي عشر من سبتمبر خطاً فاصلاً يمكن من خلاله تقسيم الإلحاد إلى ما قبل الحادث وبعده، وأصبح الحادث هو شرارة لكثير من الملحدين دفعتهم للخروج إلى العلن و ممارسة دوراً تبشيراً مباشراً. على سبيل المثال يقول “سام هارس” في محاضرة له على منصة TED “لنتوقف جميعاً عن هذا التصنُّع المقيت في إبداء الاحترام -يعني: للأديان” وقد قام بكتابة مقال في جريدة الجارديان البريطانية بعد أربعة أيام من الحادث: “إن ملء عالم بالدين، أو بأديان كالأديان الإبراهيمية، هو تماماً كمليء الشوارع بالمسدسات المحشوة بالرصاص، لا تتعجب إذا ما تم استعمالها”. ففي الغرب إذا حاولت ان تتحدث عن الدين أو نظرية مثل “التصميم الذكي” التي تنقض الداروينية سيتم فصلك عن عملك والتشهير بك وبأسرتك وتدمير مستقبلك، لكن يمكنك بكل سهولة أن تقوم بتدريس الجنس لأطفال لا يتجاوزون الخامسة، بل وتشجيعهم على تغيير هويتهم الجنسية!
يحدد الشيخ عبدالله العجيري ستة سِمات للإلحاد 1-حماسة وحرص شديد على نشر الإلحاد 2-خطاب إلحادي عدائي تجاه الدين 3-استخدام أداة الإرهاب في حرب الأديان 4-الهجوم بشكل خاص على الإسلام 5-عرض صورة جذابة للإلحاد لإغراء المتدينين واخيراً 6-التطرف بشكل مبالغ فيه للتمسك بالعلوم الطبيعية التجريبية ورفض أي شيء آخر كمعيار يمكن الاحتكام له في الحياة. وأفضل شيء في هذا القسم الأول ان الكاتب لا يتحرج في عرض القضية الإلحادية بدون مواربة أو خجل من بعض الألفاظ التي تهاجم الدين أو الله عملاً بالمقولة “معرفة الداء نصف الدواء”.
في القسم الثاني يقدم الكاتب ثمانية توصيات لكل المهتمين بقضية الإلحاد على مستوى السياسة بشكل عام والشرعي بشكل خاص لكيفية الاستعداد لهذا الظاهرة الخطيرة، فلم يعد لدينا للأسف أي منتج حضاري نقوم بتصديره للآخرين وأصبحنا كعرب مستهلكين “فقط” لمنتجات الحضارة الغربية بكل ما فيها سواء على مستوى المنتجات أو الأفكار والثقافة.
في القسم الثالث والأخير من الكتاب يختم الكاتب بثلاثة ملاحق وأخص بالذكر الملحق 2 وهو عرض مختصر لكتب باللغة العربية تناقش فكرة الإلحاد بشكل محترم وعلمي وفلسفي وديني وذلك لمن يردِ أن يتعمق أكثر ويستزيد.
أخيراً الشيخ عبدالله العجيري شخص واسع الاطلاع وهادئ في الحوار لا يقوم بالتطاول أو التسخيف أو التكفير ولذلك أنصح بمتابعته سواء بقراءة مؤلفاته أو مشاهدته على اليوتيوب.
كن أول من يعلق على المقالة