تجاوز المحتوى

الوسم: سياسة

النازية كعقيدة حقد – مينو تير براك

إن الحاقد يؤمن بقائد لم يُثبت قط قيادته لكن “هولندا بدونه بلا مستقبل” فيُحيل مسؤوليته لمهندس سابق يُشكل مصطلحاته وهيئته ووجهه على أمثلة أجنبية، كمثل الضفدعة في الأسطورة التي تنتفخ بالكبرياء الوطني

كتاب صغير جداً، للكاتب الهولندي “مينو تير براك – Menno ter Braak” وُلِدَ عام 1902م وانتحر عام 1940م عند غزو “هتلر” هولندا. كان الكاتب من القلة التي حذرت من صعود “النازية” كحركة قائمة على “الحقد والضغينة” وأن هدفها ليس سوى الخراب، وليس الديموقراطية أو المساواة كما تدّعي.

في أثناء قراءتي للكتاب استحضرني طوال الوقت ثلاث فئات أولاً “اليهود” وذلك لأن النازية أصلاً اتخذت اليهود كزريعة لتنسب إليها السبب في الفشل الاقتصادي والسياسي التي تمر به ليس فقط ألمانيا، ولكن أوروبا بشكل عام، وبالتالي بدأت الدعاية النازية في شيطنتهم، حتى ينزعوا عنهم صفة الإنسانية؛ وبالتالي يسهل عليهم “أي النازيين” التخلص منهم بدون مواجهة اعتراض سواء من الشعب الألماني أو المجتمع العالمي. الفئة الثانية هي “الإخوان المسلمون” في مصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013 تصاعدت نبرة الحقد والضغينة ضدهم في المجتمع وعمل الإعلام والمتطرفين على تغذية مشاعر الكراهية من خلال نشرات الأخبار الرسمية والقنوات التليفزيونية، وتزايدت دعوات العنف والدعوة إلى قتلهم؛ مما أدى إلى “فض اعتصام رابعة العدوية” بالقوة العسكرية في 14 أغسطس 2013 ومنذ ذلك التاريخ -وحتى الآن- يتم تحميل كل الفشل الاقتصادي أو الأمني أو السياسي بشكل عام على جماعة “الإخوان المسلمون”. والفئة الثالثة هي “الفلسطينيون”، منذ النكبة عام 1948م تقوم الدعاية الصهيونية الإسرائيلية على نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام وتصوير الأمر وكأن “البشر” الإسرائيليين يحاربون ضد “الحيوانات” الفلسطينيين، وبسبب هذه الدعاية تكوَّن عند المجتمع الغربي صورة هي أن العرب يمارسون هولوكوست ضد اليهود، ويجب علينا أن نقف بجانبهم، ونساعدهم ضد هؤلاء الإرهابيين، يقصد الفلسطينيين والعرب عامة.

يرى “مينو تير براك” أن جميع العقائد تقوم بشكل أساسي على “الحقد والضغينة” ضد الآخر، سواء كانت تلك الأيدولوجية أو العقيدة نازية أو اشتراكية أو ديموقراطية. الضغينة تميل إلى الاختزال والتبسيط، ولا تُحمِّل صاحبها إلى مسؤولية، الأسهل على القائد أن يختزل فشله في الآخر. الفشل الاقتصادي سببه “اليهود” أو “الإخوان المسلون” وفقط. لا نحتاج إلى القيام بأي شيء آخر.

بعض الاقتباسات
[إذا ما ملك الحمقى زمام السلطة، سواء عبر الاقتراع العام أو الانقلاب العسكري، فكلاهما ملائم لتحويل الحمقى إلى طُغاة؛ سواء راق الأمر المثقفين المستنكفين أم ساءهم]

[لأن الحاقد يحيا بداخل مجموعة من العبارات التي توفّر له موقفاً تجاه ذاته وتجاه الآخرين، سواء كان إيمانه بالعبارات ثانوياً أم لا، الأمر الأهم أن العبارات لا تكف تكرار “البطولة” “الدم” “الاحترام” “المجتمع” حيث يسير الحقد على هذا النحو، ما يُسمى بعقيدة [التفوق] العرقي ليست سوى الواجهة الأسلوبية للضغينة المجسدة في كبش الفداء الأبدي، اليهودي]

[لأن الحاقد، الذي هو شبه متحضر أيضا، لا يمكن أن يكتشف في كذبه الكذب ولا في بنائه الوهم]

[إن التبسيط في ظل النازية يتحول إلى معيار لكل شيء؛ ولا يحتمل الديكتاتور النازي أي شكل من أشكال النقد، بل ويحول الحياة جحيمًا بالنسبة لأي شخص يرجو معايير الحرية قبل كل شيء، عبر السعي إلى تناقضات جديدة دائما، واكتشافات جديدة دائمًا؛ لا تنبني الحرية في النازية إلا على الحرية المطلقة لدكتاتور دولة الضغينة المطلقة]

[لهذا السبب يُمكننا أن نفترض أن أخشى ما تخشاه النازية كعقيدة حقد محض هو التفكك البطيء للأوهام الذي عادة ما تنتجه رؤى العالم الاختزالية في النهاية حتى بين أكثر الناس بلاهة؛ حين يدركون أن نفي اليهود، والإيمان ببروتوكولات حكماء صهيون والنواح خوفًا من “البلشفية العالمية” شعارات لم تعد تروي. ظمأ الضغينة أكثر من أية وسيلة أخرى، ويمكنني الآن أن أتصور بالتقريب في أي صورة سيكون ثأر الضغينة حين تنقلب على أنبياء الضغينة وصُنّاع معجزاتها، “القادة”، حين تنتهي النبوة وتنقطع المعجزات]

أخيراً، الترجمة رائعة.

ترجمة: مصطفى عبد الظاهر
الناشر: دار صفصافة للنشر
الطبعة الأولى 2021
عدد الصفحات 48
الترقيم الدولي 9789778211665

 

Leave a Comment

كيف نجتنب كارثة مناخية: الحلول المتوافرة والاختراقات اللازمة – بيل غيتس

التقييم 5/5

“عندما يكون لدينا وجهة نظر قائمة على الحقائق، بوسعنا أن نرى أن العالم ليس سيئاً كما يبدو وبوسعنا أنرى ما يتعيّن علينا القيام به للاستمرار في تحسين هذا العالم” -هانز روسلينغ

الميزة الرئيسية لهذا الكتاب هو أن المؤلف غير متخصّص علمياً في المناخ، ومن ثم لغة الكتاب سهلة. المؤلف كان يوماً ما في موضع القارئ، شخص يسمع طوال الوقت عن الاحتباس الحراري، ويرى من يُكذِب ومَن يؤيد، ويشاهد أمامه الكثير من الأرقام، ولا يفهم معظم من المصطلحات. ما هو الحجم الحقيقي للمشكلة وهل هي بحق كما يُصوره لنا علماء ونشطاء المُناخ؟

منذ بداية الثورة الصناعية والحديث عن تلوث المُناخ لا يهدأ، ولكن هذه المرة زاد على ذلك هو الحديث عن الاحتباس الحراري، ولذلك تقريباً جميع القوانين المتعلقة بالمُناخ، والتي صدرت في أعتاب الثورة الصناعية تتحدث عن مكافحة التلوث، وليس الاحتباس الحراري.

بداية جائحة كوفيد-19 وبسبب التوقف شبه التام لمعظم وسائل المواصلات والمصانع أدى ذلك إلى انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 4.5% وبدأ الحديث يرتفع مرة أخرى عن مدى تأثير ذلك على البيئة والكوكب بشكل عام. لكن لفت نظري هو الاتهامات التي كانت توجّه إلى الصين باعتبارها المُسبّب الأكبر في هذه الانبعاثات واتهامها بتلويث الكوكب وتحميلها مسؤولية الاحتباس الحراري بنسبة أكبر من أي دولة أخرى، وذلك لتوسعها في استخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير مثل الفحم والغاز الطبيعي.

هنا شاهدتُ إجابتين مثيرتين على تلك الاتهامات، الأولى هي أن هذه الدول “المتقدمة” كل حضاراتها وتقدمها العلمي والتقني واقتصادها الكبير هو نتيجة لاستخدامهم الوقود الأحفوري منذ الثورة الصناعية حتى الآن، فهل يحق لتلك الدول أن تزدهر وتتقدّم ولا يحق لنا ذلك أيضاً؟

الإجابة الثانية هي أن الصين والتي تُوصَف -عن حق- بأنها أكبر مصنع في العالم؛ وبالتالي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري إنما هي وصلت لهذا الوضع ببساطة؛ لأنها تصنع ما يستهلكه العالم أجمع وبشكل خاص أمريكا وأوروبا، وليس ما يستهلكه الصينيون! فالمصانع العملاقة التي في الصين الكثير منها أساساً مصانع أمريكية وأوروبية والكثير من المصانع الصينية تصنع منتجات يتم تصديرها وبيعها للأسواق العالمية وليس الصينية. فلماذا تعاقبني على شيء أنت السبب الرئيسي فيه؟!

الفصل 1: لماذا نقطة الصفر؟
يبدأ “بيل غيتس” بوضع الهدف الرئيسي الذي يجب على البشرية الوصول إليه وهو الوصول من 52 مليار طن إلى صفر، فالرقم الأول يعبر عن مجموع الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنوياً والرقم الثاني هو الهدف الذي يطمح أن نصل له قبل حدوث كارثة. ويفسّر لماذا يجب أن يكون الرقم صفر، وليس مجرد تقليل الانبعاثات وما هو تأثير الاحتباس الحراري علينا وما الضرر في زيادة درجة حرارة الكوكب درجة واحدة أو اثنتان؟ وهل حقاً هناك رابط بين الأعاصير والفيضانات والحرائق وبين الاحتباس الحراري؟

الفصل 2: الدرب شاقّة
قد لا يُدرك الكثير مدى حجم اعتمادنا الهائل على الوقود الأحفوري (نفط – غاز طبيعي) في حياتنا اليومية، وهذا ليس فقط متعلقاً بالدول الحديثة أو الصناعية مثل أمريكا وأوروبا والصين، بل ومستقبل الكثير من الدول الفقيرة التي تطمح للخروج من دائرة الفقر وتحسين مستوى معيشتها. فهناك الكثير من البشر لا يملكون محطات لتنقية مياه الشرب أو الزراعة أو محطات توليد كهرباء سواء للاستخدام المنزلي أو لتشغيل المصانع أو المستشفيات، “إذ لا يسعنا أن نتوقّع من الفقير أن يبقى فقيراً؛ لأن انبعاثات الدول الثرية من غازات الاحتباس الحراري كانت كثيفة” هذا بدون حتى حساب الزيادة في استهلاك الوقود الأحفوري نتيجة الزيادة السكانية في العالم، والذي يتوقع أن تصل إلى 10 مليارات نسمة بحلول نهاية هذا القرن.

وهناك أمر آخر وهو أنه لا يوجد إجماع على كارثة الاحتباس الحراري، ولا نقصد العلماء هنا، بل السياسيين الذي لسان حال الكثير منهم “نعم، المناخ يتغيّر، ولكن الأمر لا يستحق إنفاق كثير من المال لمحاولة وقف التغيُّر المناخي أو التكيف معه. عليه، عوضاً عن ذلك، أن نعطي الأولوية لقضايا أخرى تترك تأثيراً أكبر على رفاه البشر، كالصحة والتعليم”.

الفصل 3: خمسة أسئلة تُطرح في الحوارات كافة بشأن المناخ
في هذا الفصل يشرح لنا المؤلف قيمة الأرقام حتى نُدرك ما وضعنا الحالي لكي ما نستطيع إيجاد حلول واقعية تمنع وقوع الكارثة. هناك 6 فئات رئيسية تمثل مجموع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهم على التوالي:
29% صناعة الأشياء (إسمنت وفولاذ وبلاستيك)
26% توصيل (الكهرباء)
22% زراعة النباتات (الأسمدة والبذور) وتربية الماشية والحيوانات
16% التنقل (طائرات وشاحنات وسفن)
7% الحفاظ على الدفء والبرودة (تدفئة وتكييف وتبريد)
ومن خلال الأرقام السابقة تستطيع أن ترى أن ما كنا نتخيله عن السيارات والطائرات انهما السبب الرئيسي في الاحتباس الحراري يتضح أنهم يساهمون بواقع 16% وهو أقل مما تسببه الكهرباء والنباتات! فطوال الوقت الصورة الذهنية التي لدينا عن الكهرباء أنها طاقة نظيفة ولكننا نغفل أن محطات توليد هذه الكهرباء تعمل بالوقود الأحفوري وكذلك الأمر في صناعة الأسمدة للنباتات أو الأعلاف للماشية، ناهيك عن مكونات البناء المُستخدمة من أسمنت وفولاذ وبلاستيك لبناء المصانع والبيوت والمستشفيات والطرق والكباري والأدوات المنزلية والبنية التحتية… الخ
لذلك في هذا الفصل ينبهنا المؤلف لضرورة الإجابة عن خمسة أسئلة محددة أثناء أي حديث عن الاحتباس الحراري ومواجهته. تلك الأسئلة ستكون بمثابة المُرشد لنا للوصول إلى الحلول الواقعية.

الفصل 4: الوصول بالقابس (26% من 52 مليار طن في السنة)
يركز “بيل غيتس” في هذا الفصل على “الكهرباء” والتي تساهم بنسبة 26% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويشرح لنا بشكل ممتع حجم المشكلة وحجم التحديات على الصعيد التكنولوجي والسياسي والاقتصادي. وما هي التقنيات المتوفرة لدينا في الحاضر لتوليد الطاقة الكهربائية وجدوى كل واحدة منهم بدئاً بالفحم والغاز الطبيعي ومرورا بالطاقة الشمسية والرياح ونهايةً بالطاقة النووية سواء انشطارية أو اندماجية.

الفصل 5: كيف نصنع الأشياء (29% من 52 مليار طن في السنة)
في هذا الفصل يشرح “بيل غيتس” بشكل أكثر تفصيلاً فكرة في غاية الأهمية، وهي “صناعة الأشياء” فعلى سبيل المثال نحن نريد أن تتحول جميع السيارات والسفن والقطارات والطائرات (وسائل التنقل والمواصلات) من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة (أي الكهرباء بشكل أكثر تحديداً) ولكننا لا ندرك أننا نحتاج الوقود الأحفوري لصناعة جميع وسائل التنقل والمواصلات، وذلك لأن جميع تلك الأشياء وغيرها مصنوعة حصراً من الحديد والفولاذ والبلاستيك والألومنيوم والنحاس وغيرها من المعادن. نحن نحتاج إلى مادة الأسمنت (الخرسانة) والفولاذ لبناء الطرق والجسور والكباري والسكك الحديد وأبراج الهواتف الخلوية وأسلاك شبكة الإنترنت. نحن نحتاج البلاستيك بشكل رئيسي في صناعة الأدوات الطبية والجراحية ونظارات العيون والحواسب والشاشات… الخ

ويعرفنا أيضاً المؤلف مفهوم “العلاوة الخضراء” وكمثال يشرح ذلك المفهوم هو إذا كان لتر البنزين يساوي 1 دولار ولتر الوقود الحيوي يساوي 1.5 دولار، فإن الدولة تتحمل تكلفة الفرق بين سعر البنزين والوقود الحيوي (أي نصف دولار) مما قد يشجع الشركات والمستهلكين لاستخدام بدائل أفضل، ولكن العائق هو أن “العلاوة الخضراء” تختلف من صناعة لأخرى، وتتفاوت بشكل كبير جداً مما يجعلها شبه مستحيل تطبيقها.

الفصل 6: الزراعة وتربية الماشية (22% من 52 مليار طن في السنة)
كما سبق في الفصول السابقة ستندهش من معرفة أن جميع وسائل التنقل في العالم (سيارات وسفن وطائرات) يمثلون فقط 16% من حجم الانبعاثات الحرارية، وان وسائل التبريد والتكييف تمثل فقط 7%، أي أن جميع السيارات والسفن والطائرات ووسائل التبريد والتدفئة تمثل 23% من إجمالي الانبعاثات الحرارية، في حين أن الزراعة وتربية الماشية تمثل بمفردهاً 22%! ومع ذلك لا نسمع أحد يتحدث عن تقليل الزراعة أو التوقف عن تربية الماشية! هذا الفصل كان ثاني أكثر الفصول صدمة لي بعد الفصل الرابع الذي تحدث عن توليد الكهرباء.

الفصل 7: وسائل النقل (16% من 52 مليار طن في السنة)
في هذا الفصل بالتحديد شعرتُ وكأن “بيل غيتس” يقول لي، هل تتذكر كل المعلومات السابقة التي حدثتك عنها طوال الستة فصول السابقة عن أهمية الطاقة النظيفة وكارثة الاحتباس الحراري والانبعاثات؟ حسناً، كل هذه الحلول غير واقعية ومستحيل تطبيقها في الواقع!
لأن النظرة العامة هي ان المشكلة في السيارات التي تعمل بالبنزين، ولكن المشكلة أعمق من ذلك، فنسبة السيارات الخاصة لا تُقارن بنسبة نقل البضائع سواء سيارات أو القطارات أو السفن أو الطائرات ومدى ارتباطها بالتجارة العالمية من مواد خام ومواد غذائية وبترول وفحم… الخ

فالموضع أصعب مما نتخيل فالحضارة الإنسانية قامت على الوقود الأحفوري. كل ما نحن فيه الآن، أنظر حولك لترى الوقود الأحفوري في كل شيء، خرسانة وإسمنت ومعادن وبلاستيك وبنزين وفحم وكهرباء… في النظارة الطبية والثلاجة والموبايل والسيارة والمصعد والمقعد وحبه الدواء وصناعة الخبز والغذاء… كل ما يمكنك تخيله سواء في بحر أو بر أو سماء.

الفصل 8: وسائل التدفئة والتبريد (7% من 52 مليار طن سنوياً)
التدفئة والتبريد ليس يعني فقط أجهزة التكييف، ولكن يشمل أيضاً الأفران التي تعمل بالغاز الطبيعي (سواء لتدفئة المياه أو أفران صناعة الغذاء أو إنتاج مواد صناعية) وكما يقول الكاتب “لم يعدّ التكييف مجرّد ترف ممتع يساعد على تحمل أيام الصيف الحارة، بل أصبح الاقتصاد المعاصر يعتمد عليه”. لكن الميزة في هذا الفصل خاصة هو سهولة تقليل الانبعاثات بشكل كبير جداً فقط عن طريق الالتزام بالقوانين! فالتكنولوجيا في مجال التبريد خاصة وصل لمراحل متقدمة جداً، ولا يبقى غير أن تتبناها الشركات.

الفصل 9: التكيّف مع عالم أدفأ؟
عند سماع كلمة “الاحتباس الحراري” غالباً ما يتبادر إلى ذهن هو انصهار الجليد في القطب الشمالي والجنوبي وبالتالي زيادة منسوب المحيطات وحدوث فيضانات كبيرة وغرق الكثير من دول العالم، ولكن الاحتباس الحراري له أشكال كثيرة جداً بخلاف انصهار الجليد، فعلى سبيل المثال إذا كنت في دولة تعتمد الزراعة لديها على مياه الأمطار، فسيكون زيادة نسبة الأمطار كارثة ستؤدي إلى إغراق المحاصيل، أو إذا كنت في دولة لديها محاصيل تعتمد على المناخ الجاف، فحدوث الأمطار نتيجة للتغير المناخي هو بمثابة كارثة أيضاً. زيادة درجة الحرارة في بعض مناطق العالم ستؤدي إلى حدوث جفاف في التربة الزراعية؛ وبالتالي موت المحاصيل مما سيؤدي إلى تقليل كميات الغذاء المتاحة للأشخاص أو للحيوانات. نقص الغذاء عامة هو سبب رئيسي لضعف المناعة لدى البشر وبالتالي انتشار الأوبئة والأمراض وموت كثير من الأطفال نتيجة لسوء التغذية. هؤلاء الأطفال هم وقود المستقبل. اختلاف درجات الحرارة أيضاً -سواء بالزيادة أو النقصان- يؤثر على الكائنات البحرية بشكل مباشر، وبالطبع أنت ترى معي نتائج ذلك التأثير.

وهنا يستعرض الكاتب أحد أبرز المجموعات البحثية في الزراعة على مستوى العالم وبعض إنجازاتهم في مجال الزراعة في الدول الأفريقية من خلال تطوير محاصيل معدلة وراثياً وتدريب المزارعين واستحداث تقنيات زراعية جديدة، والتي أسهمت بتحسّن كبير في معيشة الأُسر هناك. ويستعرض أيضاً بعض التقنيات المُسماة بـ “الهندسة الجيولوجية” ودورها في مكافحة الاحتباس الحراري.

الفصل 10: أهمية السياسات الحكومية
شهدت الخمسينيات والستينيات القرن الماضي ضجة كبير حول تلوّث الهواء خاصة بعد الحادثة الشهيرة “الضبخان الكبير في لندن عام 1952” ونتج في تلك الفترة “قانون الهواء النظيف في أمريكا” وإنشاء “وكالة حماية البيئة” عام 1970. مما يوضّح أهمية دور الحكومات في وضع السياسات المنظمة، والتي أدت بالفعل إلى نتائج مبهرة في فترة زمنية قصيرة سواء في أمريكا أو لندن أو الصين… الخ ويضع “بيل غيتس” سبعة أهداف يجب أن تكون بمثابة الخطوط العريضة التي السعي إلى تحقيقها الحكومات بشكل خاص والأفراد والشركات بشكل عام.

  1. التركيز على الثغرة الاستثمارية.
  2. تكافؤ الفرص.
  3. تخطّي الحواجز غير السوقية.
  4. البقاء على اطّلاع على آخر المستجدات.
  5. التخطيط للمرحلة الانتقالية.
  6. القيام بالأشياء الصعبة أيضاً.
  7. العمل على تكامل التكنولوجيا والسياسات والأسواق.

الفصل 11: خطة لبلوغ نقطة الصفر
يضع الكاتب في هذا الفصل خطة عمل للدول الثرية للوصول إلى “الصفر” بحلول عام 2050، وعلى الرغم أنه يشير إلى هدف قمة المناخ بباريس بتقليل الانبعاثات الحرارية بحلول عام 2030 إلا أن الكاتب يرى أن الهدف يجب أن يكون “الصفر” وليس “التقليل” خاصة وأنه يرى بأن العام 2030 هو هدف غير واقعي. فحجم التغيير المطلوب إحداثه من قِبل الدول العظمة “الثرية” كبير جداً ويتطلب تمويلاً ضخماً جداً. فالمطلوب للوصول إلى “الصفر” بعض التقنيات (والتي ذكرها الكاتب في الفصول السابقة بالتفصيل) وهي:

  • إنتاج الهيدروجين من دون التسبّب بانبعاث الكربون
  • إمكانية تخزين الكهرباء على مستوى الشبكة لمدة فصل بكامله
  • وقود كهربائي
  • وقود حيوي متقدم
  • إسمنت خالٍ من الكربون
  • فولاذ خالٍ من الكربون
  • لحوم ومشتقات الحليب النباتية والمصنّعة
  • أسمدة خالية من الكربون
  • انشطار نووي من الجيل الثاني
  • انصهار نووي
  • التقاط الكربون (التقاط الكربون بشكل مباشر ونقاط الالتقاط)
  • إمداد الكهرباء تحت الأرض
  • بلاستيك خالٍ من الكربون
  • طاقة حرارية جوفية
  • تخزين حراري
  • طاقة كهرومائية بالضخ
  • محاصيل غذائية مقاومةٍ لحالات الجفاف والفيضانات
  • بدائل لزيت النخيل خالية من الكربون
  • مبّردات لا تحتوي على غازات مفلورة

تلك التقنيات تستلزم تمويل حكومي ضخم بالأساس، وذلك لأن الاستثمار في مجال الطاقة يحتاج إلى تمويل ضخم وذو مخاطر عالية وطويل الأمد؛ مما يجعله غير جاذب للقطاع الخاص. فيجب على حكومات الدول الثرية الإمساك بزمام المبادرة. وهذا ما يوضّحه الكاتب في نموذج عمل “يطبّقه على الولايات المتحدة الأمريكية” لكيفية الوصول إلى “الصفر” بحلول عام 2050.

الفصل 12: ما يمكن أن يفعله كلٌّ منّا
في هذا الفصل القصير جداً، والتي يُقدّم فيه الكاتب بعض النصائح التي يمكن أن نتبعها على مستوى الفرد (يقصد طبعاً الفرد في الدول الديموقراطية) والتي تبدأ بالأساس في الانخراط في السياسة، ويعني بذلك مثل التحدث إلى رؤساء البلديات والجالس التشريعية وأعضاء الكونجرس أو الترشّح لمنصب حكومي أو محلي يستطيع من خلاله إحداث فارق أو توصيل صوت.

يمكنك أيضاً المساهمة بصفتك “مستهلك”، فحاول على قدر الإمكان أن تختار البدائل الأفضل، فمثلاً إذا كنت تمتلك جهازاً يعمل بتكنولوجيا قديمة حاول استبداله بجهاز جديد ذو كفاءة أعلى، استبدل المصابيح الكهربائية لديك بمصابيح LED. عند بنائك لمنزلك استخدم مواد عازلة حرارياً لتتجنب استهلاك طاقة مستقبلاً سواء لتبريد المنزل إذا كنت من سكان المناطق الحارة، أو تدفئته إذا كنت من سكان المناطق الباردة. حاول تقليل استهلاكك للحوم ومنتجات الألبان. إذا كان لديك القدرة المالية قم بشراء سيارة كهربائية. قم بدعم الشركات التي تستخدم طاقة نظيفة عن طريق شراء منتجاتها. قم بتمويل المشاريع الناشئة التي تحاول إيجاد حلول لطاقة نظيفة.

للقطاع الخاص دوراً هاماً أيضاً، من خلال تبنيه مواد خام منخفضة الكربون. وعن طريق تمويله لبحوث تطوير تُزيد من كفاءة الطاقة النظيفة، فالكثير من الشركات الكبرى التزمت باستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة في عملياتها التصنيعية واللوجستية مثل مايكروسوفت وأمازون وديزني وغوغل وميرسك MAERSK. إذا كُنت مُصنِّع لمنتج ما فحاول أن تتيح اختيار منخفض الكربون حتى وإن كان أغلى سعراً.

خاتمة: تغيُّر المُناخ وكوفيد-19
“علينا العمل معاً”… يمكننا أن نعتبرها كلاماً مُبتذلاً، ولكنها صحيحة. وجائحة كورونا شاهدة على ذلك، فعندما اتّحدت الشركات والحكومات معاً توصلنا لتطوير لقاحات واختبارها في وقت قياسي. لذلك علينا أن ندعم العلم. علينا أن نساعد المجتمعات لتبنّي الطاقة النظيفة، وذلك أيضاً لمصلحتنا الذاتية. لن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع في ولاية تكساس إذا لم تتوقف الانبعاثات عن الارتفاع في الهند.

نحن في حاجة أيضاً للتخطيط للانتقال إلى مستقبل خالٍ من الانبعاثات، فالدول الفقيرة ستحتاج إلى مساعدة كبيرة. وهذا الانتقال سيُحدث اضطراباً في المجتمعات التي يعتمد اقتصادها على الوقود الأحفوري بشكل رئيسي مثل تعدين الفحم، أو صناعة الفولاذ، أو الأسمنت، أو صناعة السيارات. الكثير من سائقي الشاحنات أو عمال السكك الحديد أو عمال المناجم سيخسرون وظائفهم عند التقليل من استهلاك الفحم والوقود المخصص للتنقل. عليناً مسؤولية تجاه المستقبل وستكون هناك “تكلفة” علينا كبشر أن نكون مستعدين لسدادها.

أخيراً، الترجمة رائعة، وتصميم الغلاف سيئ.

ترجمة: فاديا قرعان
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة الأولى 2022
عدد الصفحات 258
الترقيم الدولي 9786144585726

Leave a Comment

عشرة دروس لعالم ما بعد الوباء – فريد زكريا

التقييم 5/5

“إنّ كل بندقية تُصنع، وكل سفينة تُدشّن، وكل صاروخ يُطلق يُمثّل في النهاية، السرقة من هؤلاء الذين يعانون من الجوع” دوايت أيزنهاور، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً

سمعت عن الكتاب أثناء حلقة للأستاذ “نضال قسوم” على اليوتيوب يستعرض فيها أفضل الكتب التي قرأها خلال عام 2021 وبرغم صدور الكتاب عام 2020 أي بعد مدة صغيرة من انتشار فيروس كوفيد-19 إلا أن المؤلف “فريد زكريا” يتأمل معنا تأثير الوباء على العالم والبشرية من خلال عشرة دروس يتحدث فيهم عن كل شيء تقريباً، من أول تأثير الوباء على السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وكان الجائحة سبباً رئيسياً في تسارع العديد من الأمور مثل صعود الصين وانحسار قوة الغرب وتسليط الضوء على أهمية الاستثمار في الصحة بدلاً من الأسلحة والتفاوت الطبقي الكبير والكثير من الأمور.

الكتاب ينقسم لجزأين، الأول يطرح فيه نظرة شاملة على التاريخ والمستقبل ويستعرض أسئلة مهمة لتأثير الكوفيد على العالم، والقسم الثاني -آخر ثلاثة فصول- يطرح الحل.

لي عتب فقط على الترجمة، الأول كتابة أسماء شهور السنة طبقاً للتسمية الآرامية المُتبعة في بلدان مثل لبنان وسوريا والعراق وليس تبعاً للتسمية الغربية المتبعة لدينا بمصر، فعلى الأقل كان يمكن كتابة التسمية الغربية والآرامية بجانب بعض وليس الاكتفاء بواحدة منهم.

العتب الثاني هو أن الكاتب يُشير إلى أسماء كُتب ومراجع وروايات ودراسات طوال الوقت وللأسف تمت كتابة أسماء الكتب باللغة العربية (كترجمة للاسم) وكنت أتمنى أن تتم كتابة الاسم أيضاً باللغة الإنجليزية بجانب اللغة العربية.

عدى ذلك فالغلاف بائس والترجمة ممتازة والكتاب ممتع جداً.

ترجمة: إسماعيل كاظم

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
الطبعة الأولى: 2021
عدد الصفحات: 271
الترقيم الدولي: 9786140131828
Leave a Comment

الاقتصاد كما أشرحه لابنتي – يانيس فاروفاكيس

التقييم 5/5

أسوأ ما يمكن أن يحدث لشخص ما هو أن يبلغ به مبلغ بيع روحه للشيطان فيكتشف أن الشيطان لا يشتري

المؤلف هو وزير المالية الأسبق في دولة اليونان عام 2015 واستاذ علوم الاقتصاد في جامعة أثينا باليونان، وسبب معرفتي بالكتاب هو أنني قرأت إشادة الفيلسوف “سلافوي جيجك” للكاتب: “واحد من أبطالي القلائل، ما دام الناس يحبون فاروفاكيس، سيبقى هناك أمل”

الكتاب يتناول موضوعات كثيرة بشكل مُبسّط مثل اللامساواة، والسوق، والإنتاج، والمال، والديون، والأزمات، والديمقراطية، والبديل الاقتصادي، وتأثير الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي على البشرية في المسقبل ويستخدم في ذلك قصص شخصية وأساطير مشهورة وأفلام خيالية.

الكتاب يُعتبر ملخص سريع لتاريخ الاقتصاد وكيف انتقلنا إلى مجتمعات السوق. لماذا هناك دول غنية ودول فقيرة؟ لماذا الفجوة كبيرة جداً بشكل ينعدم معه اللامساواه؟ لماذا حدثت الازمة الاقتصادية العالمية عام 2008؟ وكيف لم يتم محاسبة أحد ممن تسببوا فيها؟ لماذا يجب عدم ترك الاقتصاد إلى المصرفيين؟ وما الفرق بين الربا وفائدة البنوك؟ لماذا لا نقوم بطباعة المزيد من النقود حتى يصبح الجميع من الأغنياء… اسئلة أخرى كثيرة ومصطلحات اقتصادية مثل التضخم والفائدة والدَين والقرض والبنك المركزي، ستجد لها شرح.

إن أسوأ أنواع العبودية هو عبودية حمقى لُقنوا السعادة بشدة ويعشقون أغلالهم ولا يطيقون الانتظار لشكر سادتهم على بهجة خضوعهم.

كتاب بسيط ولغة سهلة والفضل في ذلك بشكل كبير هو الترجمة الرائعة لـ “عماد شيحة” وكأنني أقرأ كتاب كُتِب باللغة العربية.

استمتعت جداً بالكتاب وأنصح بشدة لكل شخص غير مختص بالاقتصاد -مثلي- أن يقرأه.

الغلاف بسيط جداً وممل، والترجمة ممتازة.

ترجمة: عماد شيحة
الناشر: دار الساقي
الطبعة الاولى: 2020
عدد الصفحات: 175
الترقيم الدولي: 9786140321557

Leave a Comment

الأسوأ لم يأت بعد: دليل ما بعد رأسمالي للنجاة – بيتر فليمنغ

التقييم 5/5

هل تعرفون الفرق ما بين المتفائل والمتشائم؟ يقوم المتشائم: “يا الله، لا يمكن أن تسوءَ الأمور أكثر من هذا، بينما يقول المتفائل: “لا تكتئب هكذا، يمكن دائمًا أن تصير الأمور أسوأ”. نكته انتشرت في مدينة سراييفو أثناء الحرب الاهلية.

يقول الكاتب “أكثر المجتمعات الصناعية تقدماً تجاوزت بالفعل مبادئ الرأسمالية، ومشغولة الآن بالتحوّل لشيء آخر” سيكون أسوأ بكثير من الرأسمالية، وأن فرصة نجاتنا ضئيلة جداً ولذلك يقدم لنا هذا الكتاب كمحاولة لمواجهة ما نحن مقدمون عليه. مشكلات مثل الاحتباس الحراري وذوبان جليد القطبين والأزمة المالية العالمية وصعود اليمين المتطرف… قد يقول بعض النقاد بأننا على الأرجح وصلنا إلى القاع وربما نحن في طريقنا إلى النهوض، ولكن ماذا لو كنا على اعتبار سقطة هائلة إلى عالم مظلم جديد؟!

للاسف كانت هناك في الماضي فرصة ذهبية للتطور وتجاوز الرأسمالية لنسخة أفضل ولكن قتلت “النيوليبرالية” أي فكرة مضادة للرأسمالية وأصبح كل شيء قابل للتسعير وخاضع لقيم السوق وتم تقييد يد الدولة. حتى الذكاء الصناعي الذي نأمل انه يعمل على تحسين جودة الحياة هناك اشارات واضحة بأننا بالفعل نستخدمه بأسوأ شكل ممكن وذلك من خلال استخدام الذكاء الصناعي في التسليح (عسكرة الذكاء الصناعي) على سبيل المثال “الطائرات بدون طيار” أو “الدرونز” المستخدمة في أفغانستان وسوريا أو بشكل أكبر حجماً مثل الغواصة الروسية “بوسيدون” التي بوسعها “أن تجوب العالم لسنوات دون أن تُكتشف… وبوسع ترسانتها توليد تسونامي بارتفاع 500 متر قادر على تلويث السواحل بالنظائر المشعة، وإغراض أساطيل العدو”.

إن طوروا ذكاءً اصطناعياً خارقاً، هل يمكن أن يتمرّد؟ التوقع المُقبِض أن الذكاء الاصطناعي غير الودود بالفعل قائم بالفعل وهناك حوادث لأجهزة أليكسا وسيارات تسلا الكهربائية وبعض الآلات في المصانع تقول أن “الخوف من تمرد الذكاء الاصطناعي وتدميره للكوكب ليس له أساس من الصحة. ما قد يتحقق هو وضع أقبح بكثير”.

“ركّز على الربح، واترك الاهتمام بحسن حال الإنسان للكنيسة والدولة” -الاقتصادي ميلتون فريدمان معترضاً على المسؤولية الاجتماعية للشركات

الفصل الخامس أكثر ما أحببت في الكتاب بعنوان “مكاتب الكراهية” ويتحدث عن الوظائف في عصر الرأسمالية النيوليبرالية. للاسف هناك أدلة لا تدع مجالاً للشك بأن ما يحدث هو انتهاك صارخ للإنسان، حيث أصبحنا في وضع العمل 24 ساعة في اليوم بلا توقف سواء داخل أماكن العمل أو خارجها، فدائماً ما نتفقد البريد الإليكتروني الخاص بالعمل، ودائماً ما تردنا المكالمات الهاتفية خارج أوقات العمل. والعمل أيام الاجازات. وانتشار “السيكوباتيين” في المناصب الإدارية واستفحال ظاهرة التنمر والإيذاء النفسي من قبل المديرين تجاه الموظف، وانتشار اللهجة العدائية بشكل عام في الشركات وانتشار ظاهرة الانتحار. “يقال لنا الآن إن السؤال المهم لم يعد متى نتقاعد، بل هل سنتقاعد؟ وصار أن تعمل حتى تقع هو النموذج الطبيعي للحياة”… باختصار ما يُعرف بـ “الإيذاء الأخلاقي” وهو كما تعرفه الطبيبة النفسية السريرية “ماري فرنس هيراغويين”: إن هددك شخص أو مجموعة من الأشخاص بطريقة عدوانية، سواء بالقول أو بالفعل أو حتى بالكتابة، وكانت تلك الأفعال تؤثر على سلامة كرامتك أو صحتك أو روحك المعنوية، أو سببت تدهور في بيئة العمل، أو عرّضت وظيفتك للخطر، فأنت ضحية لإيذاء أخلاقي”.

باقي فصول الكتاب ستتحدث عن علاقة البشر بالطبيعة وما تأثيرهم على الكوكب، ويتحدث عن تعامل البشر مع الحيوانات التي يستهلكونها خاصة اللحوم والاختلاف الشديد بين ما يحدث في مزارع التسمين والألبان وبين شكل المنتج النهائي المعروض في السوبرماركت. وسيتحدث الكاتب عن دور الدولة القديم والحديث. عن الحوسبة القمعية وعن عبيد الكوبالت في الكونغو. عن التفاؤل والتشاؤم والعدمية. عن البيانات الكبيرة والخصخصة والضرائب. وسينهي كتابه بملحق عن بعض المصطلحات التي نسمعها ومدى كذبها.

أعتبر الكتاب مجرد عرض سريع أو تسبيط لمفاهيم كثيرة جداً يصعب على غير المتخصصين أمثالي من فهمنا في الظروف العادية! الكتاب قد يكون سطحي لمن له تعمّق في الاقتصاد والسياسة خاصة وأن كثير جداً من أجزاء الكتاب هي مجرد إشارة لمقالات صحفية وليس لأبحاث متعمقة.

أخيراً الترجمة رائعة والغلاف جيد.

 

ترجمة: محمد أ. جمال
الناشر: منشورات تكوين
الطبعة الاولى يوليو 2020
عدد الصفحات: 175
الترقيم الدولي: 9789921723663

Leave a Comment

شآبيب – أحمد خالد توفيق – رواية

شابيب

التقييم 4/5

هكذا استعان بأستاذ تاريخ هو أحمد صفوان وأستاذ أديان مقارنة وأديب، كلهم من العرب المقيمين في الولايات، قال لهم:  أريد تاريخًا مزيفًا!

تُذكرك الرواية برائعة الكاتب السابقة “يوتوبيا” ولكن هذه المرة على نطاق بلاد كبيرة. في هذه الرواية أشعر بغضب أحمد خالد توفيق من كل شيء. من افتخار العرب المُبالغ فيه بماضيهم. من افتخار الغرب من بحاضرهم. من افتخار كل جاهل بالتاريخ.

الرواية تتحدث عن العرب “الشِتات” على وزن “اليهود الشِتات”، كل من ترك بلاده متوجهاً لبلاد الغرب “الكافر” بحثاً  عن حياة أفضل، تعليم أفضل. بحثاً عن كرامة. ماذا سيحدث لو تركت كل شيء وبدأت من جديد؟

قام أحمد خالد توفيق في هذه الرواية بتبنّي فكرة ما وأخذ يعطيها أساس فلسفي ومنطقي، مثلما فعل “دان براون” في رواية “الجحيم” عندما طرح فكرة التخلص من 1/3 (ثلث) عدد البشرية حتى يعود التوازن بين عدد الناس والموارد المُتاحة. هنا أيضاً يقوم الكاتب في شآبيب في أخذ فكرة ماذا لو أقنعنا كل العرب المُهاجرين أن يتجمعوا في دولة جديدة، ويبدأوا من جديد؟

لكن كيف سيقوم بإقناع كافة العرب بذلك وكل منهم وجد الزوجة والوظيفة والواقع الكريم بل والمستقبل أيضاً؟

كان يقولها لنفسه، ويتساءل بجدية وهو يتأمل صورة جمال حمدان على غلاف كتابه الموسوعي الشهير، أو يقلب كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت: كل الدول دخلت لعبة الكراسي الموسيقية هذه لعبتها الإمبراطورية الرومانية.. لعبها العرب.. لعبها الفرس.. لعبها البريطانيون.. لعبها الإغريق.. لعبها الفرنسيون وفي النهاية توقفت الموسيقى فجأة، لكن ظل هناك مقعد محترم جلست عليه كل دولة. الإمبراطورية الرومانية ما زالت هي إيطاليا، وهي إلى حد ما دولة متقدمة محترمة برغم أنها صغيرة متواضعة الإقتصاد، والإمبراطورية الإغريقية هي اليونان برغم كل شئ.. الإمبراطورية البريطانية صارت هي إنجلترا وهي ما زالت قوة نووية عظمى.
لكن لماذا بربك لم يبق أي مقعد للإمبراطورية العربية؟ هي اللاعب الوحيد الذي راح يدور حول الجالسين باحثاً بضحكة بلهاء عن أي موضع.. لعل هناك من ينزاح قليلاً أو يسمح له بطرف مقعد.

هل مشكلة العرب هي العرب أم الغرب؟ الرواية أيضاً ستجعلك حزيناً على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. على واقعنا. الرواية درامية ولذلك ايقاع الأحداث أبطيء مما تعودنا عليه للكتاب.

من الصعب أن تستمر دولة في محيط مُعادٍ مهما طال الزمن، خاصة أنها تعتمد على وهم لإثبات حقها.. لا يوجد سبيل للاستقرار لأي دولة سوى الاندماج والتعايش وقبول الآخر.
ربما فشلنا كذلك بسبب الخلافات العِرقية والدينية.. مشكلة العرب الدائمة هي صراعاتهم الداخلية، والوهم الذي يعتقده كل فريق.. أن بوسعه إبادة الفريق الآخر، وبعدها يحارب الأعداء. لكن الحقيقة أن القتال يستمر للأبد ولا ينتهي أبداً، بينما يزداد الخصوم قوة.

لأول مرة منذ زمن أردت أن تكون الرواية أطول من ذلك، كنت أتوقع المزيد مع كل تك الشخصيات، المزيد من الأحداث، ولكن بمجرد ما حدث لمكرم كانت الرواية تنتهي سريعاً جداً.

  • تصميم الغلاف: كريم آدم
  • الناشر: دار الشروق
  • الطبعة الأولى 2016
  • عدد الصفحات: 265
  • الترقيم الدولي: 9789770934562
Leave a Comment

كل هذا الهراء – عزالدين شكري فشير – رواية

كل هذا الهراء

 

التقييم 4/5

الأيام الخرا فايدتها النوم

“عمر فخر الدين” يقابل “عز الدين شكري فشير” ويُسلمه ملفات صوتيه فيها مذكراته اثناء الثورة وبعدها. ويطلب منه ينشرها في شكل رواية -رغم عدم اقتناع عمر بالفكرة- وذلك حسب تشجيع “أمل مفيد” له للقيام بذلك. ولأن المحتوى يحتوي على أشياء قد “تخدش” الحياء العام، والكاتب لا يريد الدخول للسجن بسبب رواية (كما حدث مع أحمد ناجي) فنشر تنويه ان قراءة الرواية غير إجبارية والرواية تحتوي على أشياء قد تخدش الحياء وعليه من يقرّر قراءة الرواية يتحمل المسؤلية كاملة 🙂

الرواية فعلياً أحداثها تبدأ بعد خروج “أمل مفيد” مصرية تحمل الجنسية الأمريكية، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان من السجن بعدما قضت سنة كاملة على خلفية القضية التي عُرفِت إعلامياً بـ “التمويل الأجنبي” أو “المنظمات الحقوقية”. وقد استطاعت الخروج بسبب تخلّيها عن “الجنسية المصرية” ولذلك يقيم لها أصدقائها حفلة بمناسبة خروجها وأيضاً بمناسبة توديعها لأنها ستسافر إلى أمريكا. وبعد خروجها من الحفلة وهي في حالة “سكر” تركب تاكسي يكون سائفه “عمر فخر الدين” وينتهي بها الأمر في الفراش سوياً. وهنا تبدأ الرواية”

تبدأ أولاً “أمل مفيد” في التعريف عن نفسها لـ “عمر فخر الدين” وهي بنت الرجل العسكري السابق والذي سافر بهما إلى أمريكا وهي في عمر السادسة ليكون وسيط في صفقات توريد السلاح وبعض الأنظمة التكنولوجية للجيش المصري. وتتخرج من كمحامية وتعمل في مجال حقوق الإنسان والمساعدات في أكثر من بلد وينتهي بها الأمر في أحد المنظمات الحقوقية في مصر وتدخل للسجن مع كثيرين على ذمة قضية تتهم المنظمات الحقوقية بالتمويل الخارجي غير القانوني.

ثم يبدأ “عمر فخر الدين” في الحديث عن نفسه. هو ابن لرجل إرهابي والذي تربى هو نفسه في “مزرعة شمال الخرطوم” التي انشأها الإرهابي “اسامة بن لادن” لتدريب وإعداد الإرهابيين. ويتورط الابن “عمر” في محاولة لتفجير مقر إجتماع القيادات الإرهابية للتخلص منهم بالتعاون مع ضابط أمن دولة مصري “أيمن”.

وبناء على طلب “أمل” لـ “عمر” أن يحكي لها ما حدث في البلاد طوال العام السابق أثناء سجنها، يبدأ عمر في الحديث عن قصص لأصدقائه خلال تلك الفترة، كيف دخلوا في الثورة وكيف انتهت بهم الدنيا. مرحلة تقلبات لشرائح مختلفة من المجتمع.

وقصص “عمر” تناقش شرائح مختلفة. ستجد الإسلامي والإرهابي والليبرالي والثوري. ستجد الألتراس وأمن الدولة. أي ستجد نفسك بالتأكيد في أحد تلك القصص أو قد تجدها في جميعها، وهي التي تمثل مرحلة انتقالك الفكري من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

الكاتب “عز الدين شكري” هو دبلوماسي سابق، ولغته الروائية رائعة وسهلة. ترتيب الأحداث مُبهر وتلخيصها أيضاً مُبهر. هذه الرواية هي الرابعة لي مع الكاتب (بعد: عناق على جسر بروكلين، وباب الخروج، وأسفار الفراعين). و هذه الرواية مثل باب الخروج و أسفار الفراعين، تتحدث عن الفساد الإداري (أو فساد النظام الحاكم) في مصر، سواء قبل قيام الثورة أو بعدها.

الرواية ستنعش ذاكرتك. نحن من عاصرنا ثورتين ونسينا ما حدث أو قد يكون عن قصد تناسينا ما حدث. الرواية هي لمحة سريعة عن الأحداث والأفكار والمبادئ التي مر بها كل من منا. من كان لا يعرف السياسة ثم أصبح ثورياً ثم تبنى الليبرالية (وهو لا يعرف معنى أن تكون ليبرالياً) ثم معارض لكل الأنظمة بحجة أن الثورة مستمرة و”يا نجيب حقهم يا نموت زيهم” ثم حالة اللامبالاة. ستجد المُتدّين والمتطرف والمتفتح والشاذ جنسياً والمنحل أخلاقياً والظالم والسادي والفاسد. سترى مصر بعيون كل هؤلاء.

“عز الدين شكري فشير” لم ينحاز في الرواية لأي وجهة نظر ولكن وقف على الحياد (ورغم اني أعتبر أنه تبنى وجهة نظر “عمر فخر الدين” وهي نظرة العارف بالأمور بحكم تربيته ونشأته وبالتالي أصبح ليس لديه أمل في المجتمع.

أنا لستُ بطلاً، وأكره القضايا الكبرى وأصحابها. لا شاركت في ثورة يناير ولا ضدها ولا فيما تلاها. ما أعرفه هو الاهتمام بمن أعرفه، بأصحابي وأقربائي ومن أستطيع مساعدته بيدي. أما الأفكار الكبيرة ومحاولات إصلاح الكون فليس لي فيها، ولا أحبها، ورأيي أنها تنتهي دوماً بكوارث. أبي أضاع حياته سعياً خلفها وطلعت أنا وحدي بلا أب ولا أم بسبب ذلك. شكراً جداً. وكل هؤلاء الذين يقتلون بعضهم بعضاً يفعلون ذلك باسم الإسلام أو الوطنية أو العدالة الاجتماعية. لا الإسلام ضاع ولا انتشر، ولا الوطن سقط ولا نهض. ولا العدالة الإجتماعية تحققت ولا غابت، لا هنا ولا في أي مكان في الدنيا. كل ما حدث أن الناس ماتت. على قدر معرفتي فإن الأمور تحدث حين يحين وقتها، حين تتوفر أسبابها، لا حين ينذر ناس حياتهم -أو حياة غيرهم- لتحقيقها. وبالتال كلما سمعت أو شاهدتُ شخصاً يدو الناس للتضحية من أجل قضية كبرى، قلت في سري: “ك..ك. أذهب واعتن بنفسك، أو بأطفالك، أو بجيرانك، أو افعل أي شيء مفيد

 

– لكن لِمَ لا تنخرط أنت في الحياة؟ هذا ما لا أفهمه. ألا ترغب في فعل أي شيء؟

– كما قلت لك؛ “الأيام الخرا فايدتها النوم”. وهذه أيام خرا، ومن ثَمَّ لا شيء يُفعل غير النوم. سأنام، في انتظار حدوث شيء ما.

– وإذا لم يحدث؟

– يكون الوقت قد مر.

– ألا تخشى من التعفن من كثرة النوم؟

– أخشى من التعفن؟ كل ما ترينه حولكِ هو جزء من هذا التعفن. هذا بالضبط ما أحاول قوله لك منذ الأمس، إننا تعفّنا، كلنا، بثورتنا وثورتنا المضادة، باختلافاتنا واتفاقاتنا، تعفّنا ببطء، ونواصل مسيرة التعفن بنجاح ساحق

ورغم أن الرواية تحتوي على مشاهد جنسية وألفاظ خارجة، ولكني لا اعتبرها مؤثرة في الرواية. فلو تم حذفها لما حدث أي اختلاف. الرواية تستحق القراءة، ونصيحة لو أنت ممكن لا تحب الألفاظ الخارجة أو المشاهد الجنسية في القراءة فلا تقرأ الرواية. وإن كنت تعتقد أنك ستقرأ عمل سياسي أو فلسفي عن الثورة فلا أنصحك بالقراءة.

“عز الدين شكري فشير” من الأقلام المتميزة جداً في هذا الوقت، ونعيب على أمثاله قلة إنتاجه. فهو يتركنا في مستنقع من الأدب الفاشل والذي تتسع مساحته مع الوقت.

المشكلة الوحيدة بالنسبة لي، هي “أمل مفيد” وهي تتفاجئ، فكل مرة تتفاجئ فيها تقول: يا للهول. تشعر وكأنها تحولت إلى “يوسف وهبه”.

الغلاف لا بأس به. بالرغم انه ليس سيء ولا جيد، ولكنه لا يُعبِّر عن الرواية.

رجاء إلى الدبلوماسي والروائي “عز الدين شكري فشير”، لا تغيب عنا فترات كبيرة.

Leave a Comment

نكون أو لا نكون – فرج فودة – مقالات مُجمّعة

2016-07-01_095045.png

التقييم 3/5

ويا أيها القارئ بعد زمان طويل، إقرأ لنا وتعلم كيف يكوِّن الإنسان موقفًا، وكيف نحتنا عصر تنوير جديد بأقلامنا، وكيف كانت الكلمات أقوى من الطلقات، وافهم معنا ما فهمناه من حكمة الله العلي القدير، حين شاء أن تكون أولى كلماته في الإنجيل (في البدء كانت الكلمة)، وفي القرآن (إقرأ)..

أيها القارئ بعد زمان طويل.. إقرأ.

 مجموعة من المقالات بعضها لم يتم نشره في الجرائد. المقالات بها حدة على غير عادة فرج فودة.

 فرج فودة رجل يكتب الدين والسياسة والاقتصاد لغير المتخصصين، بلغة بسيطة، وهذا سبب شهرته، وهذا سبب اغتياله (في رأيي). فبعكس الكثير من الباحثين ثقيلي الوزن في الإسلام السياسي، إلا ان صعوبة لغتهم في الكتابة -مثل حامد نصر أبو زيد وسيد القمني- جعلت الكثير ينصرف عنها، ولكن فرج فودة أوجع المتطرفين بأنه كسر هالة القداسة التي يدعوها بأنهم “علماء” وأنه على العامة ترك الدين للمختصين -وكأن الدين نزل لهم فقط وليس لكل الناس- بأنه يكتب بلغة الشارع، ومن هنا تجلى خطره عليهم.

المقالات التي أعجبتني:

– لشيخ الأزهر أن يحمد الله

– نكون أو لا نكون

– اسئلة حائرة

– أصول المسائل (وأنا أقرأ هذا المقال تسائلت، ماذا كانت ستكون رد فعل فرج فودة عندما يقرأ خبر الحكم بالسجن على من يقول أن تيران وصنافير مصرية، بينما يُرحب بمن يرفع علم السعودية ويقول على مصر انها كانت دولة احتلال؟!)

– الشباب والتطرف

– الفتاة المصرية وقضية الدين

في رأيي، أفضل كتابين كقرأتهم لفرج فودة، الحقيقة الغائبة والإرهاب.

لماذا ارتبط التطرف بالشباب؟

لأننا اغتلنا أحلامهم في مستقبل أفضل، واغتلنا أفكارهم بمناهج تعليمية متخلفة، واغتلنا ذاكرتهم بتزييف التاريخ، واغتلنا وعيهم حين علمناهم أن يروا الحقيقة من زاوية واحدة، واغتلنا أبصارهم حين حصرنا الألوان في الأبيض والأسود، تمامًا كما اختزلها المتطرفون في الجنة والنار، أما اللون الرمادي فقد محوناه من أذهانهم، وتخلفنا حتى عن المتعزلة الذين تحدثوا قبل ألف عام عن المنزلة بين المنزلتين، وليس لنا أن نندهش، لأننا الفعلة مع سبق الإصرار والترصد، وهي حقيقة مريرة بقدر ما هي صحيحة.

ما الذي حدث لنا في السنوات الأخيرة، وكيف سعينا حثيثًا إلى إنكار العقل أو إهماله، وما الذي دفع البعض إلى البحث في بطون كتب التراث، سعيًا وراء حديث آحاد ضعيف هنا أو فتوى فقيه بلا سند هناك، وما الذي جعل الإنكار أقرب كثيرًا من القبول، والتأثيم أهون كثيرًا من التكريم، والعسر أيسر كثيرًا من اليسر، ولماذا يحرص أبناؤنا أشد ألحرص على التمسك بالقشور، والتعصب للشكليات، والتعلق بالفروع، حتى أن البعض منهم يدعي أن الإسلام قد أتى بزي، وأنه فيما يرتديه يستنُّ بسنة الرسول الكريم، وعلمنا وفوق كل ذي علم عليم؛ أن الرسول لم يأت بزي جديد، وأنه أرتدى زي المقيمين في مكة، وأغلبهم من المشركين، وأنه لم يغير زيه بعد أ، تنزلت عليه الآيات البينات، وأنه أرتدى ما أهدي إليه من زي رومي أو حبشي أو فارسي بلا حرج، وأنه في زيه كان يقتدي بعصره، تمامًا كما نفعل نحن الآن، وأن أغلب الفقهاء قد أفتوا بأن سنة الرسول في الزي والعلاج خاصة بعصره ولا تنسحب على غيره من العصور، وهو ما يمكن أن يحمل عليه الكثير من أمور الدنيا في عصره أو عصرنا، غير أن البعض فيما يبدو يهمل ذلك كله، ولا يجد حرجًا في الإفتاء بأن سماع موسيقى بتهوفن قبل النوم حرام، تاركًا إيانا نضرب كفًا بكف ونحن نتسائل عن علة هذا التحريم، وعن مكان هذا الإنسان الوهي، الذي تتهيج غرائزه عند سماع بتهوفن، ويفسد طبعه إذا أنصت لموتسارت، وما أجدرنا بتساؤل آخر عن سند تحريم ما لم يعرفه عصر الرسول من فنون مثل المسرح، ومن آلات مثل الشيللو والكمان والأورج والبيانو، وهل يا ترى تمتد فتواهم إلى كا ما هو متاح وصداح، فتنطلق القوافل الشعبية بحثًا عن طيور الكناري لذبحها خوفًا من الفتنة، وإلى خرير الجداول لطمرها تحسبًا من الإثارة، وإلى أبواق السيارات لتدميرها تجنبًا لمقدمات الزنى!

الإزعاج يأتي من طبيعة المناخ الفكري السائد، وهو مناخ ينتج واقعًا، ويفرض توقعًا. أما الواقع فهو ما يسود المناخ الفكري والثقافي من أن الرأي الصحيح هو الرأي المريح، وأنه بقدر ما يكون الرأي مريحًا بقدر ما يكون صحيحًا، وبقدر ما يزعج بقدر ما يكون مرفوضًا وخاطئًا، وأما التوقع فهو أن ينتظر منك القراء أو السامعون، أن تترجم ما في أذهانهم، وأن تعبر عن دواخلهم، وأن تنطق بما يرددون بينهم وبين أنفسهم دون اقتناع في أغلب الأحيان، وإذا أراد الحاضرون نموذجًا على ما أذكره، فدونهم أشهر كتاب الأعمدة في الصحف المصرية، وسوف يجد القارئ أن شعبية الكاتب تتناسب طرديًا مع مدى تعبيره عن دواخلب الأغلبية، بصرف النظر عن صحتها أو اعتقاده بأنها صحيحة

إنني شخصيًا لا أتحمل أن أرى دجاجة تذبح أمام عيني، وما أكثر ما نهيت أطفالي عن مشاهدة ذبح خروف العيد لأنه منظر مفزع ولست أتصور انني مرهف الحس إلى درجة الشذوذ، لأن الدم هو الدم. والعذاب هو العذاب. والموت هو الموت، ومن لا يَرحم لا يُرحم، وإذا كنا نقتل الحيوان أو الطير  مضطرين فهذا شيء والاستمتاع به شيء آخر.

أفهم أن يُضبط من يتسلحون بالقنابل والمسدسات ومن يستهدفون قلب النظام بالقوة، لأنهم ساعتها يدخلون ساحة الصراع العنيف ويدفعون ثمنًا لابد وأن يتوقعوه من البداية، لكني لا أفهم إطلاقًا أن يقبضوا على أفراد تهمتهم الوحيدة أنهم يتحدثون في السياسة ويجتمعون معًا لاتفاقهم في الرأي، أيًا كان الرأي وأيًا كان الهدف السياسي.. إلى متى يظل حق الإضراب وحق التظاهر جرائم؟

Leave a Comment

غرفة خلع الملابس – ياسر ثابت

التقييم 5/5
الكتاب يعطي لمحات سريعة عن بعض الرجال الذين أثروا في الحياة السياسية في مصر، مثل أسامة الباز وهيكل وكمال الشاذلي وعمر سليمان، ورؤساء وزارة مصر بعد الثورة. وهناك جزء صغير عن المستشار هشام جنينة وبداية قصة صدامه مع الفساد في الجهاز الإداري المصري.

ياسر ثابت يتميز بأنه يكتب السياسة بلغة سهلة، وغير مملة. وبالنسبة لي كتاباته تحقق لي شيئان، هم معلومات موثقة وسهولة القراءة.

ياسر ثابت، لا يقدم أسرار لا يمكنك التأكد منها، بالعكس هو يذكر المراجع التي أخذ منها الكلام ويضعها لك في الحواشي. جميع كتبه مليئة بالحواشي والمراجع، وهو ما يصب في مصلحة القارئ إذا رغب في الاستزادة.

أغلفة كتب ياسر ثابت مش بتعجبني.

Leave a Comment

أحمد خالد توفيق أحمد مراد إلحاد ابراهيم اصلان اسلام سياسي اقتصاد التطور اليف شافاق انتوني فلو انستا حياة براهين تاريخ تامر عطوة تحميل تركيا تسويق تنمية بشرية جلال امين حسن الجندي خوان خوسيه مياس داروين دان براون رعب رواية روي ابراهام فارجيس ساخر سعود السنعوسي سياسة سيرة ذاتية سينما طفل علم نفس علوم فيليب يانسي قصص قصيرة كتب ليو تولستوي محمد صادق محمد عصمت مخطوطة ابن اسحق مذكرات مسيحية مقالات نازية نظرية التطور

%d مدونون معجبون بهذه: