تجاوز المحتوى

نكون أو لا نكون – فرج فودة – مقالات مُجمّعة

2016-07-01_095045.png

التقييم 3/5

ويا أيها القارئ بعد زمان طويل، إقرأ لنا وتعلم كيف يكوِّن الإنسان موقفًا، وكيف نحتنا عصر تنوير جديد بأقلامنا، وكيف كانت الكلمات أقوى من الطلقات، وافهم معنا ما فهمناه من حكمة الله العلي القدير، حين شاء أن تكون أولى كلماته في الإنجيل (في البدء كانت الكلمة)، وفي القرآن (إقرأ)..

أيها القارئ بعد زمان طويل.. إقرأ.

 مجموعة من المقالات بعضها لم يتم نشره في الجرائد. المقالات بها حدة على غير عادة فرج فودة.

 فرج فودة رجل يكتب الدين والسياسة والاقتصاد لغير المتخصصين، بلغة بسيطة، وهذا سبب شهرته، وهذا سبب اغتياله (في رأيي). فبعكس الكثير من الباحثين ثقيلي الوزن في الإسلام السياسي، إلا ان صعوبة لغتهم في الكتابة -مثل حامد نصر أبو زيد وسيد القمني- جعلت الكثير ينصرف عنها، ولكن فرج فودة أوجع المتطرفين بأنه كسر هالة القداسة التي يدعوها بأنهم “علماء” وأنه على العامة ترك الدين للمختصين -وكأن الدين نزل لهم فقط وليس لكل الناس- بأنه يكتب بلغة الشارع، ومن هنا تجلى خطره عليهم.

المقالات التي أعجبتني:

– لشيخ الأزهر أن يحمد الله

– نكون أو لا نكون

– اسئلة حائرة

– أصول المسائل (وأنا أقرأ هذا المقال تسائلت، ماذا كانت ستكون رد فعل فرج فودة عندما يقرأ خبر الحكم بالسجن على من يقول أن تيران وصنافير مصرية، بينما يُرحب بمن يرفع علم السعودية ويقول على مصر انها كانت دولة احتلال؟!)

– الشباب والتطرف

– الفتاة المصرية وقضية الدين

في رأيي، أفضل كتابين كقرأتهم لفرج فودة، الحقيقة الغائبة والإرهاب.

لماذا ارتبط التطرف بالشباب؟

لأننا اغتلنا أحلامهم في مستقبل أفضل، واغتلنا أفكارهم بمناهج تعليمية متخلفة، واغتلنا ذاكرتهم بتزييف التاريخ، واغتلنا وعيهم حين علمناهم أن يروا الحقيقة من زاوية واحدة، واغتلنا أبصارهم حين حصرنا الألوان في الأبيض والأسود، تمامًا كما اختزلها المتطرفون في الجنة والنار، أما اللون الرمادي فقد محوناه من أذهانهم، وتخلفنا حتى عن المتعزلة الذين تحدثوا قبل ألف عام عن المنزلة بين المنزلتين، وليس لنا أن نندهش، لأننا الفعلة مع سبق الإصرار والترصد، وهي حقيقة مريرة بقدر ما هي صحيحة.

ما الذي حدث لنا في السنوات الأخيرة، وكيف سعينا حثيثًا إلى إنكار العقل أو إهماله، وما الذي دفع البعض إلى البحث في بطون كتب التراث، سعيًا وراء حديث آحاد ضعيف هنا أو فتوى فقيه بلا سند هناك، وما الذي جعل الإنكار أقرب كثيرًا من القبول، والتأثيم أهون كثيرًا من التكريم، والعسر أيسر كثيرًا من اليسر، ولماذا يحرص أبناؤنا أشد ألحرص على التمسك بالقشور، والتعصب للشكليات، والتعلق بالفروع، حتى أن البعض منهم يدعي أن الإسلام قد أتى بزي، وأنه فيما يرتديه يستنُّ بسنة الرسول الكريم، وعلمنا وفوق كل ذي علم عليم؛ أن الرسول لم يأت بزي جديد، وأنه أرتدى زي المقيمين في مكة، وأغلبهم من المشركين، وأنه لم يغير زيه بعد أ، تنزلت عليه الآيات البينات، وأنه أرتدى ما أهدي إليه من زي رومي أو حبشي أو فارسي بلا حرج، وأنه في زيه كان يقتدي بعصره، تمامًا كما نفعل نحن الآن، وأن أغلب الفقهاء قد أفتوا بأن سنة الرسول في الزي والعلاج خاصة بعصره ولا تنسحب على غيره من العصور، وهو ما يمكن أن يحمل عليه الكثير من أمور الدنيا في عصره أو عصرنا، غير أن البعض فيما يبدو يهمل ذلك كله، ولا يجد حرجًا في الإفتاء بأن سماع موسيقى بتهوفن قبل النوم حرام، تاركًا إيانا نضرب كفًا بكف ونحن نتسائل عن علة هذا التحريم، وعن مكان هذا الإنسان الوهي، الذي تتهيج غرائزه عند سماع بتهوفن، ويفسد طبعه إذا أنصت لموتسارت، وما أجدرنا بتساؤل آخر عن سند تحريم ما لم يعرفه عصر الرسول من فنون مثل المسرح، ومن آلات مثل الشيللو والكمان والأورج والبيانو، وهل يا ترى تمتد فتواهم إلى كا ما هو متاح وصداح، فتنطلق القوافل الشعبية بحثًا عن طيور الكناري لذبحها خوفًا من الفتنة، وإلى خرير الجداول لطمرها تحسبًا من الإثارة، وإلى أبواق السيارات لتدميرها تجنبًا لمقدمات الزنى!

الإزعاج يأتي من طبيعة المناخ الفكري السائد، وهو مناخ ينتج واقعًا، ويفرض توقعًا. أما الواقع فهو ما يسود المناخ الفكري والثقافي من أن الرأي الصحيح هو الرأي المريح، وأنه بقدر ما يكون الرأي مريحًا بقدر ما يكون صحيحًا، وبقدر ما يزعج بقدر ما يكون مرفوضًا وخاطئًا، وأما التوقع فهو أن ينتظر منك القراء أو السامعون، أن تترجم ما في أذهانهم، وأن تعبر عن دواخلهم، وأن تنطق بما يرددون بينهم وبين أنفسهم دون اقتناع في أغلب الأحيان، وإذا أراد الحاضرون نموذجًا على ما أذكره، فدونهم أشهر كتاب الأعمدة في الصحف المصرية، وسوف يجد القارئ أن شعبية الكاتب تتناسب طرديًا مع مدى تعبيره عن دواخلب الأغلبية، بصرف النظر عن صحتها أو اعتقاده بأنها صحيحة

إنني شخصيًا لا أتحمل أن أرى دجاجة تذبح أمام عيني، وما أكثر ما نهيت أطفالي عن مشاهدة ذبح خروف العيد لأنه منظر مفزع ولست أتصور انني مرهف الحس إلى درجة الشذوذ، لأن الدم هو الدم. والعذاب هو العذاب. والموت هو الموت، ومن لا يَرحم لا يُرحم، وإذا كنا نقتل الحيوان أو الطير  مضطرين فهذا شيء والاستمتاع به شيء آخر.

أفهم أن يُضبط من يتسلحون بالقنابل والمسدسات ومن يستهدفون قلب النظام بالقوة، لأنهم ساعتها يدخلون ساحة الصراع العنيف ويدفعون ثمنًا لابد وأن يتوقعوه من البداية، لكني لا أفهم إطلاقًا أن يقبضوا على أفراد تهمتهم الوحيدة أنهم يتحدثون في السياسة ويجتمعون معًا لاتفاقهم في الرأي، أيًا كان الرأي وأيًا كان الهدف السياسي.. إلى متى يظل حق الإضراب وحق التظاهر جرائم؟

Published inكتبتاريخ وسياسة

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك رد

اكتشاف المزيد من Rowis Notes

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading