يقولون إن السياسي البريطاني المخضرم ونستون تشرشل (1874- 1965) مر ذات يوم بقبر ما مكتوب عليه: “هنا يرقد رجل السياسة والصادق العظيم فلان”، فتوقف وتساءل مندهشاً: “كيف يُدفن اثنان معاً في قبرٍ واحد”
يقدم الباحث “مصطفى عبيد” الجانب الآخر من السردية التاريخية المتعلقة ببعض أعلام مصر في تاريخها الحديث. هل كان “مصطفى كامل” بالفعل زعيماً مصرياً؟ ما علاقة يهود مصر بإسرائيل؟ وهل بالفعل كان “إسماعيل صدقي” عدواً للشعب؟ وماذا كان سيحدث إذا استمر “محمد نجيب” في الحكم بدلاً من “جمال عبدالناصر”؟ ماذا عن “سيد قطب” و”عبدالحليم حافظ” وقتلة الرئيس الراحل “محمد أنور السادات”؟
الكتاب مكتوب لغة سهلة وقرائته سريعة، لكن الفصل الوحيد الذي صدمني هو الفصل الأخير عن “سليمان خاطر”.
الغلاف جيد.
الناشر: الدار المصرية اللبنانية
الطبعة الثالثة: 2022
عدد الصفحات: 248
الترقيم الدولي: 9789777953498
لن امنحكم كراهيتي. لا أعرفكم. ولا أريد أن أعرفكم. فأنتم بالنسبة لي أرواح ميتة. وإذا كان هذا الإله الذين تقتلون من أجله بشكل عشوائي -وهو قد خلقنا على صورته- فإن كل رصاصة في جسد زوجتي هي جُرحٌ في قلبه. لا. لن أمنحكم هدية كُرهي لكم، لقد أردتم ذلك ولكن الرد عليكم بالكره والغضب يعني الاستسلام للجهل الذي جعلكم ما انتم عليه. تريدونني أن اخاف وأن أراقب من يعيشون معي في نفس الوطن بعين الريبة، وأن أضحي بحريتي من أجل أمني وسلامي… خسئتم. فحياتي ستستمر كما أريد رغماً عنكم.
كتاب صغير جداً يتحدث فيه المؤلف “انطوان لاريس” عن وفاة زوجته “هيلينا مويال لاريس” أثناء هجوم مسلح على حفل لموسيقى الروك يوم 13 نوفمبر 2005. هو مذكرات الكاتب الشخصية خلال ثلاثة أيام تقريباً، وكيف تقبل خبر وفاة زوجته، وماذا سيفعل وحيداً بعد وفاتها مع ابنهما الصغير. رفض الكاتب حالة الخوف الذي اعترت المجتمع بسبب الحادث الإرهابي، ورفض حالة الحِداد والحزن الذي سببه الحادث. وطالب بعكس ذلك. وفي اليوم الثالث للحادث نشر مقال على “الفيسبوك” بعنوان “لن امنحكم كراهيتي – You Will Not Have My Hate” والذي حظى بانتشار واسع جداً على جميع وسائل الميديا.
ترجمة: صابر رمضان
الناشر: العربي للنشر والتوزيع
الطبعة الاولى 2016
عدد الصفحات: 144
الترقيم الدولي: 9789773193409
أحلام بدون أهداف، تظل أحلام. وأهداف بدون انضباط واصرار لا تؤدي إلى شيء. – دينزل واشنطن (الممثل العالمي)
هذا الاقتباس من خطاب لدينزل واشنطن في مجموعة من الممثلين الشباب على خشبة مسرح، هو ما كان يتردد في ذهني طوال قرائتي لهذا الكتاب. فالكتاب هنا يدخل مباشرة وبعمق في عالم إيلون ماسك، وهو يختلف تماماً عن الصورة التي يُصدرها لنا محبوه. نعم، بلا شك هو أحد عباقرة القرن الواحد والعشرين، ونعم هو “توماس أديسون” هذا القرن، ولكن هذا ليس بدون مقابل.
الفصل الأول: عالم إيلون ماسك
في الفصل الأول يحكي الكاتب كيف التقى بإيلون ماسك وكيف وافق (وهو المعروف برفضة للأحاديث الإعلامية) على أن يقابل “آشلي فاينس” الذي كان بدأ بالفعل في تأليف كتاب عن إيلون ماسك. فبعكس جميع من سبقوه من الصحفيين، لم يتوانى “آشلي” عن طلب مقابلة إيلون، وظل يرسل له العديد من الإيميلات، على الرغم من ان الكاتب كان في استطاعته تأليف الكتاب بدون إيلون ماسك، فقد ترك العديد من موظفيه شركاته وبالتأكيد سيرحبون بأي فرصة للحديث عن إيلون سواء بالإيجاب أو السلب (وما أكثر الفئة الثانية). وأخيراً بعدما أجرى الكاتب حوارات مع 200 شخص اتصل به إيلون وقال له “آشلي” إما أن يجعل حياته عسيرة جداً أو يساعده في مشروعه على أية حال. وبالفعل تقابل كلاهما في أحد المطاعم حتى يضع كل منهما شروط التعاون الذي سيتم.
يعطي الكاتب نظرة سريعة عن عقلية إيلون ماسك وشخصيته غير العاطفية والتي لا تعرف شيء إلى المنطق، بما يُذكرك بشخصية “كابتن سبوك” في سلسلة “Star Trek” الشهيرة. هذه الشخصية التي لا تجد الحرج في إخبار الناس عن عيوبهم في وجوههم ويعتقدون أن هذا سيُسعدهم لأنه يكشف لهم الأخطاء التي يجب أن يصلحوها. حتى أنه عندما توفي طفله الأول لم يبكي، وكان يرى أن البُكاء والحزء لن يقدم للمستقبل شيء، وعليه طلب من زوجته أن لا تحزن.
يقدم الفصل الاول أيضاً نبذة عن عالم “وادي السيليكون” وكيف أنه انحرف عن هدفه الأصلي وأصبح هو الطريق إلى الثراء السريع مثلما كان التنقيب عن الذهب قديماً، وكيف ان وادي السيليكون يؤثر سلباً على مستقبل البشر، حتى أن “جوناثان هوبنر” وهو فيزيائي يعمل لصالح مركز أبحاث الحرب الجوية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية وهو يصمم الأسلحة منذ 1985، وقد كان من أوائل الناس الذي حذروا من انحراف وادي السيليكون وتأثيره السلبي على أعداد الابتكارات وان العالم اكتفى بتحسين الابتكارات الحالية بدلاً من صناعة ابتكارات جديدة، حتى أن “بيتر تيل” وهو أحد مؤسسين موقع فيسبوك وأول مستثمر فيه قال :“أردنا سيارة طائرة، فحصلنا بدلاً منها على 140 حرفاً” (في إشارة لموقع تويتر).
وينتهي الفصل بالحديث سريعاً عن حياة إيلون العاطفية منطقه الغريب في انه بالفعل يريد الارتباط ولكنه لا يملك متسع من الوقت، وكانت خطته أن عليه فقط أن يُوجد القليل من الوقت الاضافي: “أعتقد ان الوقت المخصص لأعمالي وأولادي يسير جيداً. لكنني أود تخصيص المزيد من الوقت للتعارف من أجل الزواج. أريد البحث عن شريكة حياة. لهذا، عليَّ أن أوجد القيلي من الوقت الإضافي فحسب. اعتقد ربما حتى خمس إلى عشر… كم من الوقت تريد النساء في الأسبوع؟ عشر ساعات ربما؟ هذا هو الحد الأدنى نوعاً ما؟ لا أعرف”.. فكما قالت “جاستين” زوجته السابقة: “إنه يفعل ما يريده، بلا هواده. هذا عالم إيلون. أما بقيتنا فيعيش فيه فحسب”.
الفصل الثاني: أفريقيا
يعود الكاتب في هذا الفصل لأيام الطفولة لإيلون، من هي عائلته ومن أين تنحدر. وللحق كانت عائلة داعمة لأي موهبة تظهر على أحد أفرادها، فهي لا تعير اهتماماً للفشل وتساعدك بكل الطرق الممكنة لكي ما يمكن. عائلة ماسك لم تؤمن في يوم ما بالضرب كأسلوب للتربية ولديها قناعة بأن الطفل سيعود عاجلاً أم آجلاً بمفرده للفطرة السليمة.
منذ الصغر أحب إليون القراءة، وسبب هذا له العديد من المشاكل، ولكن تعتبر هذه هي نقطة قوة إيلون ماسك طوال حياته، فعندما يريد أن يعرف شيء عن موضوع ما، يُصاب بالهوس حتى يقرأ كل ما يتعلق على هذا الموضوع، فبعدما حصل إيلون على أول جهاز كمبيوتر بذاكرة خمسة كيلوبايت وكُتيّب تشغيل يشرح لغة “بيسك – Basic” للبرمجة يقول إيلون: “كان من المفترض أن يستغرق تعلم كل الدروس ستة أشهر تقريباً. لكن أصابني وسواس قهري شديد تجاه الأمر، فظللت ساهراً لثلاثة أيام بلاد نوم حتى تعلمت كل شيء”، ولم يكن غريباً أن يقرأ لعشرة ساعات في اليوم أو عندما يتسوق هو وأخوته مع والدتهم كانوا يكتشفون أنه ليس معهم، فيعودون للمكتبة التي كانوا بها ليجدوه جالس على الأرض في يده كتاب ومندمج معه لأبعد حد، حتى إنه لا يُدرك ما حوله: “في مرحلة ما، كنت قد قرأت جميع الكتب في مكتبة المدرسة ومكتبة الحي. ربما كنت في الصف الثالث أو الرابع حينذاك. وحاولت أن أقنع أمين المكتبة أن يطلب لي كتباً مخصوصة. عندها بدأت قراءة الموسوعة البريطانية. كانت مفيدة جداً. إن المرء لا يُدرك مدى جهله إلا إذا عرف أكثر. لقد أدركت أن هناك الكثير من الأمور التي لا أعرفها”، وساعده في ذلك إمتلاكه لذاكرة تصويرية يستطيع من خلالها استرجاع المعلومات بشكل سريع وبالحرف الواحد، حتى أن أخته كانت تقول “اسألوا الفتى العبقري” عندما يسأل أحد عن أي شيء. ولكن بالطبع هذه الموهبة لم تكن رائعة دائماً، فبسبب قراءات ماسك، أصبح عقله لا يفكر مثل بقية الأطفال وشخصيته مختلفة، جعلت منه منبوذا من باقي الأطفال ولا يرغبون في اللعب معه وامتد الامر إلى أخوته، فقالت أحد المرات أخته الصغيرة عندما طلبت منها أمها أن تُشرك إيلون معها هي وأصدقائها في لعبهم: “لكن اللعب معه ليس مسلياً يا أمي”.
بعد فترة أنفصل والديه عن بعضهما وهنا قرر إيلون أنه سيعيش مع والده وهو ما أحزن أمه ولكنه يبرر هذا: “بدا أبي حزيناً ووحيداً، كان لأمي ثلاثة أولاد. ولم يكن له أحد. بدا هذا ظماً”، ووالد إيلون كان مهندساً متميزاً ووفّر لإيلون كل المتطلبات للمارسة هوايته سواء قراءة الكتب أو التعلق بالكمبيوتر والانترنت. ولكن من الناحية النفسية لم يكن والده طيباً، كان يمارس إرهاباً نفسياً علي ماسك وأخوه “كميبال” حتى ان ايلون لا يحب الحديث عن والده أو فترة عيشه معه وقد حذّر المؤلف “آشلي” بعدم تكرار مراسلة والده أو أخذ حديث منه عن طفولته، يقول عنه ماسك: “انه بارع في جعل الحياة تعسة… هذا مؤكد… بإمكانه أن يحول أي موقف مهما كان جيداً إلى موقف سيء. إنه ليس رجلاً سعيداً. لا أعرف… سحقاً.. لا أعرف كيف يمكن أن يصبح أحد هكذا”، وقد قطع إيلون وزوجته الأولى عهداً ألا يسمحا لأولادهما بمقابلة والده “إيرول”.
ويكمل الفصل جزئه الأخير عن الحياة المدرسية لإيلون والتي لم تسر بشكل جيد، فقد كانت هناك عصابة من الأطفال يلاحقونه دائماً ويضربوه وكثيراً ما كانوا يحذرون أي شخص من مصادقته وإلا أوسعوه ضرباً ولذلك استمر في عزلته ولكن كان قد وضع هدفاً وهو السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بلا رجعة وإلى الأبد.
الفصل الثالث: كندا
في هذا الفصل يُعرفنا الكاتب على الحياة الجامعية لإيلون ماسك، وبداية ظهور الجانب الرومانسي في شخصيته وارتباطه بـ “جاستين ويلسون”، وكيف انه حاول البحث عن مجموعة من الأشخاص الذين يستطيعون فهمه وعدم السخرية منه وبالتالي أوجد لنفسه بيئة مناسبة له.
بدأت تتكون الصورة الأهم لمستقبل إيلون أثناء هذه الفترة، وحدّد إيلون بالتحديد اهتمامته المستقبلية، فقد كان يريد أن يكون تأثيره ملموس وواقعي وليس مجرد أفكار جديدة تتعلق بالانترنت (والذي كان في بداياته). زاد اهتمامه القديم بالطاقة الشمسية وبالعثور على طرق أخرى لتسخيرها وكتب بحث بعنوان “أهمية الطاقة الشمسية” وتوقع زيادة تكنولوجيا الطاقشة الشمسية وبناء محطات طاقة شمسية واسعة وعمل على تحسين كفائة الخلايا الشمسية. وأيضاً كتب بحثاً عن مسح المستندات البحثية إليكترونياً، والقيام بالتعرف الضوئي على حروفها… ما يُشبه مزيج من Google Books وGoogle Scholar في يومنا هذا. وتناول في بحث ثالث المكثفات الكهربائية الفائقة وكيفية تحسين أداء البطاريات وتخزين الطاقة بكميات أكبر ولمدة أطول. وكان -ومازال- إيلون مهووساً بألعاب الفيديو من طفولته وقد تلقى تدريباً في ذلك، وكانت لديه الرغبة في إنشاء شركة ألعاب فيديو: “أحب ألعاب الحاسوب جداً، ولكنني إذا صنعت ألعاب حاسوب شديدة الروعة، فكم سيكون تأثيرها على العالم؟ لن يكون لها تأثير كبير. ومع أنني أحب ألعاب الفيديو حقاً، لم أستطع إجبار نفسي على جعل تصنيعها مهنة لي، وسيتضح حبه للألعاب عند تأسيسه لشركة الفضاء Space X، ففي بعض الليالي الأسبوعية وفي تمام الثامنة مساءً كان يسمح ماسك للجميع باستخدام حواسبيهم الخاصة بالعمل للعب ألعاب الفيديو الخاصة بإطلاق النار مثل Counter-Strike والتي كان ماسك بارعاً حقاً فيها وكان يلعب تحت اسم مستعار “راندوم 9”: “كان المدير التنفيذي يطلق علينا الصواريخ ومدافع البلازما. الأسوأ من هذا أنه شديد البراعة بهذه الألعاب لدرجة تكاد تكون مقلقة ورود أفعاله سريعة لدرجة جنونية. كان يعرف كل الحيل وكيفية الاقتراب خلسة من الآخرين والنيل منهم”.
حرص إيلون دائماً على توضيح تلك الفترة من حياته، حيث شغفه بالطاقة الشمسية والألعاب والفضاء والصواريخ والسيارات الكهربائية. أراد أن يعرف العالم أنه مختلف عن رواد الأعمال العاديين في وادي السيليكون، وأنه لم يستكشف أحدث الصيحات ببساطة أن فكرة الثراء لم تستحوذ عليه؛ بل كان يسعى لتنفيذ مخطط رئيسي طوال الوقت: “كنت أفكر في تلك الأمور فعلاً في الجامعة؛ هذه ليست مجرد قصة لُفقت بعد وقوعها. لا أريد أن أبدو كوافد جديد أو كما كنت ألاحق صيحة عابرة أو كمجرد شخص انتهازي. أنا لست مستثمراً؛ بل أحب تطبيق التكنولوجيا، التي أعتبرها مهمة للمستقبل ونافعة بطريقة أو بأخرى على أرض الواقع”.
الفصل الرابع: أول شركة ناشئة لـ “إيلون” (Zip2)
بداية إيلون ماسك الحقيقية في عالم الأعمال، وبداية احتكاكه مع المبدعين في كل مجال. أراد إيلون تأسيس النسخة الإليكترونية من دليل الهواتف الشهير “يلو بايدجز – Yellow Pages” ولكن بنسخة أفضل حيث سيضيف له الخرائط. تذكر أن هذا قبل أن يوُجد ما يُعرف بخرائط جوجل بسنوات. وهو ما يشبه حالياً خدمة Yelp + Google Maps مجتمعين.
بدأ الأمر أولاً بأن أراد ماسك واخوه كيمبال بتأسيس شبكة خاصة بالأطباء على الانترنت، شيء أشبه بنظام يتيح للأطباء تبادل المعلومات فيما بينهم (كشبكة أجتماعية للأطباء مثلاً) وبدؤا في وضع خطة العمل والعمل على جانب التسويق والمبيعات ولكن الأمر لم يفلح، ولم يتحمسا كثيراً له. وفي تلك الفترة كان ماسك يعمل في شركة ناشئة اسمها “روكيت ساينس جيمز – Rocket Science Games” تحاول تطوير الألعاب عن طريقة نقلها من الشرائط إلى الاسطوانات المُدمجة CD بحيث يمكنها تخزين معلومات أكبر وتقديم سرد سينيمائي للألعاب. وكان فريق العمل مجموعة من النجوم حقاً، فكان “توني فاديل” وهو من أدار جزء كبير من عملية تطوير جهاز iPod و iPhone لصالح شركة أبل، وكذلك الأشخاص الذين طوروا برنامج الوسائط المتعدد الخاص بأبل Quick Time، وعمل لديهم أيضاً من صنعوا مؤثرات فيلم Star Wars الأصلي في شركة Industrial Light & Magic، وكذلك بعض من صنعوا الألعاب في شركة LucasArts Entertainment، وهو ما أعطى إيلون فكرة عما يقدمه وادي السيليكون من ثقافة وموهبة.
واثناء فترة تدريب إيلون في وادي السيليكون أتى مندوب مبيعات من شركة “Yellow Pages” إلى أحد مكاتب الشركات الناشئة ليقنعهم بفكرة إنشاء “دليل” على الانترنت للشركات مثل “الدليل العادي” الذي لدى شركة “يلو بايدجز – Yellow Pages” ولكن كان واضحاً انهم لا يفهمون ما هو الانترنت أو كيفية عمله، يقول كيمبال: “قال لي “إيلون” انهم لا يعرفون عم يتحدثون. ربما يمكننا فعل شيء ما حيال ذلك” ومن هنا أنشأوا شركة Global Link Information Network والتي سيصبح اسمها بعد ذلك Zip2.
هناك تفاصيل كثيرة أخرى، عن الشركة التي اندمج معها وعن محاولة طرده من شركته وعن فقدان الرؤية وعن محاولتهم في إقناع الصحافة بالاستثمار في الإعلانات المبوبة على الانترنت وأشياء أخرى مثيرة.
كان ماسك يعمل طوال الوقت بدون أجازات، بل ان مقر الشركة الأول كان حيث يعيش ماسك وكيمبال، حتى انه كان يطلب من الموظفين عندما يأتون في الصباح أن يركلونه بأرجلهم حتى يستيقظ ويكمل عمله، وقد كتب البرنامج بنفسه وأضاف تحسينات كثيرة وأفكار رائعة موجودة الآن في كل برنامج خرائط كأمر افتراضي. ستجدون معلومات كثيرة عن كيفية إدارة ماسك لشركة الأولى وكيف تعامل مع الموظفين (الموهوبين) في شركته، وماذا كان رد فعل الموظفين عليه؟ وعن توسعه وعن بيعه للشركه وحصوله على 22 مليون دولار.
الفصل الخامس: زعيم مافيا “باي بال”
بمجرد أن أدرك ماسك من أن شركه Zip2 في طريقها للبيع، حتى بدأت العمل على مشروعه القادم. كان قد سبق لإيلون أن عمل مع رئيس قسم الاستراتيجيات بأحد المصارف وعليه أتت فكرة إنشاء مصرف ولكن على شبكة الإنترنت (مصرف إليكتروني)، وكالعادة حاول الناس بإقانعه بالعدول عن هذه الفكرة، قائلين ان الامر سيستغرق مدة طويلة قبل أن يصبح التعامل مع الانترنت آمن بما يكفي لإقناع العملاء، أو كما أوضح الباحثون بمعهد بينيكال: “لا يكاد الناس ستقبلون فكرة شراء الكتب عبر الانترنت. وربما يجازفون بإستخدام رقم بطاقتهم الائتمانية، لكن العديدين منهم كانوا يعتبرون الكشف عن حساباتهم المصرفية أمراً مستحيلاً. كان ماسك يريد إنشاء مؤسسة مالية متكاملة الخدمات على الانترنت: شركة تحتفظ بحسابات التوفير والحسابات الجارية، إلى جانب خدمات السمسرة والتأمين.
أنشأ إليون شركته والتي تحمل اسم “إكس دوت كوم X.com”واستثمر كل ماله حيث تبقى له 4 ملايين فقط وكان ماسك -كعادته- يعد الجميع بأشياء كبيرة لذا، كان كل شيء -سمعته وأمواله- على المحك. فعالم المصارف ليس بالمجال الصغير وهو مجال قديم وله رواسخ وبه أموال طائلة على استعداد أن تدمر أي شخص يحاول أن يسلب منها أي شيء.
قام إيلون بتجميع فريق من “النجوم” ليؤسس الشركة ولكن الأمر الوحيد الذي كان يعوقهم هو معرفة إيلون البسيطة بالمجال المصرفي. لذا، قام إيلون بشراء كتاب ليقرأه حتى يفهم ولكن كما قال: “بعد مرور أربعة أشهر أو خمسة، كنا لا نزال نكتشف خفايا الأمر فحسب”. ولكن أنطلق إيلون في وعود الجميع بأشياء حالمة.
استطاع إيلون الحصول على دعم من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) وثلاثة صناديق استثمار مشتركة، وأطلقوا الموقع الإليكتروني، وكان كل شخص يقوم بالتسجيل يحصل على بطاقة ب20 دولار وكل شخص يقوم بدعوة شخص آخر يحصل على بطاقة بـ 10 دولار، وقام بإلغاء بعض الرسوم والغرامات التي تستخدم في المصارف، وأنشاؤا نظاماً للدفع بين الأفراد عن طريق البريد الإليكتروني والتي كانت فكرة ثورية في وقتها، فيمكن لاي شخص تحويل الاموال لشخص آخر عن طريق الايميل بدون الدخول في الاجراءات المصرفية البطيئة، وقد جذب الموقع ما يزيد عن 200.000 شخص في شهوره الأولى.
كانت هناك شركة أخرى جديدة منافسة تُسمى “كونفينيتي” والتي كانت تمتلك شركة “باي بال PayPal” وكانت المنافسة شديدة بينهم لجذب المزيد من العملاء لاستخدام خدماتهم ولقد اُنْفِقت عشرات الملايين على الحملات الترويجية بينما خُسرت ملايين أكثر في محاربة القراصنة الذين استغلوا الخدمة كمجال جديد للاحتيال.
ولكن في مارس عام 2000 قررت الشركتان التحالف والتوقف عن تبديد أموال بعضهما. وقدمت إكس دوت كوم عملية وضع شرط الدمج بين الشركتين وجعلت “ماسك” أكبر مساهم في الشركة الجديد بعد الدمج والتي اصبح اسمها اكس دوت كوم وهو ما جذب 100 مليون دولار للشركة من الداعمين والذي كان من بينهم المصرف الألماني ومصرف جولدمان ساكس.
ولكن للأسف بدأت الاختلافات في الرؤى تظهر كعائق بين أفراد الشركتين من أول طريقة إدارة الموظفين والاكواد البرمجية ومواكبة نمو قاعدة البيانات وهو ما جعل الشركة تفقد الأموال بسرعة كبيرة. وهذا ما دفع الموظفين بالاجتماع سراً ليقنعوا مجلس الادارة بعزل إيلون من إدارة الشركة، وبالفعل وأثناء ذهاب إيلون في رحلة لجمع الأموال وعندما هبطت طائرته كان قد تم استبداله وما أن سمع بذلك إيلون حتى عاد على الطائرة التالية.
حاول إيلون إقناع مجلس الإدارة بالعدول عن هذا القرار ولكن لم ينجح. كانت معاملة إيلون السيئة للموظفين والخسارة المالية الكبير التي تتكبدها الشركة أحد أهم الأسباب في اتخاذ هذا القرار. وكان موظفي شركة Zip2 والذين انتقلوا مع إيلون لشركة أكس دوت كوم ساخطين بشكل كبير بسبب الطريقة التي تم بها الموضوع. وبحلول شهر يونيو 2001 تم تغيير اسم الشركة إلى PayPal، وكانت رغبة شركة إي باي eBay بشراء باي بال كبيرة ولكن إيلون ماسك طلب من الادارة رفض هذه العروض حيث ان الشركة يمكنها أن تنجح كشركة مستقلة حيث بلغت عوائدها 140 مليون دولار سنوياً، وبالفعل مع رفض الشركة لعرض الشراء من إي باي، تجدد العرض مرة أخرى عام 2002 بقيمة 1.5 مليار دولار، وقد وافق ماسك ومجلس الإدارة على بيع الشركة وحقق ماسك ربحاً صافياً بعد خصم الضرائب 180 مليون دولار.
كان صدى صفقة البيع مدوياً وجلب على ماسك انتقادات كثيرة واتهامات أكثر وهو الجزء الذي يختتم به المؤلف هذا الفصل.
الفصل السادس: فئران في الفضاء
بعد حصوله على ملبغ كبير من صفقة بيع باي بال لشركة إي باي، توجهت أنظار إيلون بعيداً عن وادي السيليكون، وأصبح يعاوده حلم الطفولة بخصوص غزو الفضاء.
الفصل السابع: سيارات كهربائية بالكامل
كانت هناك شركة “إيه سي بروبولشن – AC Propulsion” تصنع السيارات الكهرباء منذ عام 1992 وكان المهندس “جيه. بي. ستراوبيل JB Straube” أقنع أحد أصدقائه في تلك الشركة بأن يجلب سيارت من موديل تي زيرو TZero ليقودها ماسك، وبالفعل انبهر بها ماسك بشدة وبدأ مفاوضة الشركة لعرض تمويل عليهم لتحويل تلك السيارات إلى سيارة تجارية (ذات جدوى اقتصادية يمكنهم أن يبيعوها على المستوى التجاري) ولكن الشركة رفضت وظلت تعرض عليه موديل آخر “إي بوكس ebox” يقول ستراوبيل عنها: “كانت تبدو رديئة للغاية ولم تكن جيدة الأداء ولا ملهمة ببساطة”. ولذلك لم تنتج اللقاءات بين ماسك وبروبولشن أي شيء سوى ترسيخ الفكرة في عقل ماسك.
تزامن في ذلك الوقت وجود شريكان أحبا فكرة صناعة سيارات كهربائية تكون بطاريتها من الليثيوم أيون بعدما ذهب أحدهم وهو المهندس “مارتن إيبرهارد” إلى مقر شركة بروبولشن، وقد أثمر ذلك بأن دفع لهم 500 ألف دولار ليستكملوا نشاطهم ويصنعوا أيضاً له سيارة كهربائية كاملة تعمل ببطارية الليثيوم أيون، ومثل أيلون عرض عليهم مارتن أن يتحولوا إلى صناعة نماذج تجارية بدلاً من الاكتفاء بكونهم متجر للهواة، ولكن أيضاً تم رفض اقتراحه، فقرر “مارتن إيبرهارد” بستأسيس شركته الخاصة.
بدأ الشريكان بدراسة النماذج المختلفة حتى يستقروا على ما سيصنعوه، وكانت في تلك الفترة توجد سيارة من إنتاج شركة تويوتا جذبت انتباه الأثرياء وعليه فكروا في صناعة سيارات كهربائية للأثرياء. وفي شهر يوليو (7-2003) قام “مارتن إيبرهارد” و”مارك تاربيننج” بيتأسيس شركة “تيسلا موتورز – Tesla Motors” والذي اختار الاسم هو “إيبرهارد” أثناء تواجده في نزهة مع زوجته في “ديزني لاند”. كانت العقبة الأولى هي كيفية إنشاء المصنع الذي سيقوم بتصنيع هذه السيارة. فقد كانت الشركات الكبيرة والمهمة في مجال السيارات عامة لا تصنع سياراتها بالكامل، ولكن كانوا يتعاقدون مع موردين مختلفين لكل شيء تقريباً، ولكن كانت فكرة الشريكان هو تصنيع السيارة بالكامل وذلك لتقليل التكلفة، وأن يقوموا هم بتولي مهمة بيع السيارة للعملاء مباشرة بدون أي وسطاء بيع. العقبة الثانية كانت هي العثور على المستثمرين الذين سيمولون صناعة النموذج الأولي والذي سيتكلف 7 ملايين دولار. هنا ظهر اسم “إيلون ماسك” والذي وافق على الفكرة وقدم لهم 6.5 مليون دولار ليصبح أكبر مساهم ورئيس الشركة (وهو الشيء الذي سيستخدمه ماسك فيما بعد لإبعاد “إيبرهارد” وتولي زمام الأمور).
كانت أول سيارة يعملوا عليها هي “رودستر – Roadster”، وكانت نقطة قوة شركة تيسلا عن أي شركة أخرى تصنع السيارات هي نجاحهم في جمع مئات البطاريات المصنوعة من الليثيوم أيون معاً في دائرة توازٍ وهو الذي جعلها في طليعة الشركات في هذه التكنولوجيا. وعام 2005 ظهر النموذج الأولي والذي قاده إيلون بنفسه وكان سعيداً جداً وقام بإضافة استثمار آخر ووعدت الشركة بتقديم أول سيارة للمستهلكين في عام 2006.
كان ماسك يريد سيارة كهربائية ممتعة، وقد أوضح ذلك في أحد الاجتماعات قائلاً بإنه يريد سيارة تستطيع زوجته “جاستين” قيادتها بطريقة مريحة وعملية. وفي عام 2006 قاموا بإظهار أول سيارة وهي “رودستر EP1” والتي أبهرت الجميع، ولذلك قاموا بجولة لتجميع بعض التمويل والتي انتهت بحصولهم على 40 مليون دولار. كان إيلون قد قام بإضافة استثمار بـ 9 مليون دولار ثم أضاف مرة أخرى أستثمار ب 12 مليون دولار. وكان مهندسوا الشركة قد قاموا بصناعة نموذج ثاني أحمر اللون يُدعى “EP2” وتم عرض كلا النموذجين في فاعلية أقميت في سانتا كلارا. كان من بين الذين حضروا حاكم الولاية وقتها “أرنولد شوارزنيجر” والمدير التنفيذي السابق لشركة ديزني “مايكل إيزنر” وقام العديد من الحضور بتجربة السيارة. بدأت الشركة تجذب أنظار الصحافة وبدأت الشركة في تجميع الملايين من المستثمرين، ولكن ما أغضب إيلون هو تعمد الصحافة لتجاهل اسمه عند الحديث عن الشركة رغم كل ما قدمه، فهو بتأكيد أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الشركة بأكلمها بل وفكرة السيارات الكهربائية.
ولكن بدأت وتيرة الإنتاج تصبح أبطء مع تزايد طلبات إيلون ماسك بالتعديل على المقاعد والأبواب وصناعة جسم السيارة من ألياف الكربون وتركيب مجسات إليكترونية على الأبواب لكي تُفتح ببصمة اليد بدلاً من جذب المقبض، وظهرت مشكلة أخرى وهي كيفية صناعة السيارات وبكميات كبيرة وهو عملية كادت تؤدي لإفلاس الشركة.
كانت تيسلا تفقد الكثير من المال وأصبحت تكلفة الانتاج عالية جداً سواء لانتاج البطاريات أو حتى تكاليف صناعة السيارة ولذلك قام إيلون بتعيين “رايان بويل” كمدير للشئون المالية بهدف إعداد الشركة لكي تُطرح للاكتتاب العام، ولكن ما وجده “رايان” في طريقة إدارة “إيبرهارد” كان مثيراً للقلق. وتجمعت المشاكل من بطء الانتاج وسوء القطع الواردة من الموردين وتأخير موعد تسليم السيارات للكثير من العملاء الذين دفعوا مقدماً للحصول على السيارة وأدى ذلك في النهاية إلى عزل إيبرهارد من منصبه وتعينه كرئيس لقسم التكنولوجيا وثم تصاعد الغضب بيه وبين إيلون وأصبح هناك عداءً بينهم (حتى يومنا هذا) وفي النهاية غادر المهندس الرئيسي وأحد المؤسسين الثلاثة “مارتن إيبرهارد” شركة تيسلا.
بدأ إيلون بالقيام بعمل لقاءات صحفية لطمئة العملاء وأقام معارض للشركة وتولى هو مهمة العرض بنفسه حتى شعر العملاء بمدى شغف إيلون، وتجددت ثقتهم به. وبدأ إيلون بتطبيق برنامج صارم لخفض التكاليف واستمرار العمل أيام السبت والأحد، وبدأت تظهر شخصية ماسك الذي يسُب ويغضب ويطرد لأقل الأسباب وهو ما جعل الكثيرين لترك الشركة. ثم حلت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
سأعتبر ان ما سبق مجرد جرعة تشويق أولية لجعلك تقوم بقراءة الكتاب. ما سبق لا يمثل إلا جزء صغير جداً من الملحمة القادمة التي ستعرفك على الشركة الأقرب لشخصية إيلون ماسك، أي “سبيس أكس – SpaceX”. ستعرف عن قرب مدى عمق شخصية “ماسك” ومدى رغبته في تحقيق أهدافه، وكيف يقوم بتغيير صناعة الفضاء بالكامل مما سيجعل شركته هي المنافس الأمريكي الأقوى ضد باقي الدول التي تعمل في مجال الفضاء مثل روسيا والصين والهند وآسيا.
إيلون ماسك أيضاً أنشأ شركات أخرى مثل شركة “سولارسيتي SolarCity” لتصنيع ألواح الطاقة الشمسية، وشركة تقدم فكرة جديدة للمواصلات العامة “هايبرلوب Hyperloop”، ومصنع “جيجافاتكتوري GigaFactory” لإنتاج بطاريات الليثيوم أيون، فكما يتحدث الكتاب فإن كل الشركات أو المصانع التي يُنشئها “ماسك” تكون مرتبطة ببعضها البعض، وتعتمد إحداهما على الأخرى.
في النهاية قد أقوم في المستقبل بإضافة نبذة صغيرة عن كل فصل حتى تكتمل التدوينة بالكامل، ولكن لا تعتقدون ان قراءة التدوينة تُغني بأي حال عن قراءة الكتاب. الكتاب مُلهم جداً ونموذج حي على أنه إذا كنت شغوف بشيء بحق… ستحققه وبشكل ساحق.
الناشر: مكتبة جرير
الطبعة الأولى 2016
عدد الصفحات: 391
الترقيم الدولي: 9789927101137
ينتمي “دوكينز” إلى نفس نادي كُتَّاب تبسيط العلوم مثل “كارل ساجان” و”إسحاق عظيموف” من الجيل السابق. رأى هؤلاء المبسطون أنفسهم ليس فقط مجرد كتبة، ولكن ككهنة عليا. ومثل دوكينز، أخذوا على عاتقهم، ليس فقط ثقيف العامة بما وصل إليه العلم، لكن أيضاً تحديد ما إذا كان يجوز للمخلصين للعلم أن يؤمنوا بالأمور الميتافيزيقية أم لا.
“أنتوني فلو” هو أشهر ملحد طوال الـ 100 عام الماضية. (أكثر شهرة حتى من “تشارلز دوكينز”)، لأنه ليس مجرد ناسخ للأفكار الإلحادية -مثل تشارلز- ولكن “أنتوني” فيلسوف. فموقفه الإلحادي مبني على فلسفة قام بتطويرها عبر 70 عام. ويعتبر “أنتوني” من المؤثرين في حركة الإنتاج اللاهوتي المسيحي المدافع ضد الإلحاد، فكتبه كانت دائماً تحرك المياة الراكدة في الأواسط الفلسفية واللاهوتية المسيحية على السواء.
يحكي “أنتوني فلو” في هذا الكتاب ملخص لحياته، كيف أصبح ملحداً ولماذا أصبح مؤمناً بوجود إله مرة أخرى في نهاية عمره (أعلن إيمانه بوجود إله 9 ديسمبر عام 2004م وكان وقتها يناهز الـ 81 عام). فهو لم يفعلها لأجل الشهرة أو المال لأنه حظى بهما طوال حياته المهنية كفيلسوف ملحد.
تقريباً كل ما قرأته من تجارب لملحدين تراجعوا عن الإلحاد، كانت الحرب العالمية الثانية هي عامل أساسي في اتجاههم للإلحاد. وبالتحديد مشكلة “وجود الشر”. معظم هؤلاء رأوا ما فعله الحرب بأصدقائهم وعائلتهم وما حدث لهم من قتل وتشوه في الأعضاء وإصابات بالغة، وطوال الوقت كان السؤال الذي يتردد هو “أين الله من كل هذا الشر؟” و”لماذا لا يفعل الله شيء ضد هذا الشر؟”، “هل الله شرير ليخلق هذا العالم الشرير؟”، “هل الله يحبنا ولكنه عاجز عن في فعل أي شيء ضد الشر؟”.
“أنتوني فلو” من عائلة مسيحية صميمة، ولكنه منذ صغره لم تجذبه الشعائر الدينية وكان يرى أنه لا فائدة منها، وانها ثقيلة عليه. وعندما دخل مدرسة داخلية وتخرج منها وهو في الـ 15 من عمره كان قد تأكد تماماً من إلحاده. وبالرغم من ذلك لم يصارح والده بإلحاده أو حتى تناقش معه في أي من الأمور الإلحاديه. فوالده كان “كاهناً” في الكنيسة الميثودية الويزلية (إحدى الطوائف البروتستانتية في إنجلترا) وكان يعمل محاضراً في دراسات العهد الجديد وأصبح بعد ذلك رئيس الكلية اللاهوتية الميثودية لمدة عام واحد ورأس المجلس الفيدرالي للكنيسة الحرة. وبالتالي لم يكن والده مجرد مسيحي عادي، ولكنه كان باحث من العيار الثقيل وهو ما أثّر في “أنتوني فلو” طوال حياته، فكان مثل والده عندما يريد أن يعرف شيء كان “يقوم بجمع وتحليل كل المعلومات ذات الصلة”.
تأثر “أنتوني فلو” بفلاسفة كثيرين وستجد الكتاب مليء بأسماء الكتب والفلاسفة سواء ملحدين أو مؤمنين بوجود إله. وأصبح “أنتوني” مع الوقت مثلهم له إنتاجه الفلسفي الخاص. أي ليس مجرد قارئ لفلسفات الآخرين، ولكن صانع للفلسفة أيضاً.
شعاره في البحث عن الحقيقة هو مبدأ سقراط “يجب علينا إتباع الدليل إلى حيث يقود” وهو ما إلتزم به حتى وفاته. فلم يخشى آراء الناس ولكنه كان صادق مع نفسه. اتبع الدليل عندما قاده للإلحاده، وعندما قادته الأدلة لـ “وجود إله” لم يتردد في الاعتراف بذلك.
قد تتساءل، كيف لفيسلوف مثلي أن يخوض في المسائل العلمية المُعالجَة من قِبَل العلماء. أفضل طريقة للإجابة على هذا السؤال هو طرح سؤال آخر: هل نحن بصدد نقاش علمي أم فلسفي؟ عند دراسة التفاعل بين جسمين ماديين، على سبيل المثال، اثنان من الدقائق المُكوِّنة للذرات، عندها نحن نتحدث في العلوم. لكن عند السؤال كيف يمكن للدقائق المُكوِّنة للذرات -أو أي شيء مادي- أن تتكوَّن من العدم؟ ولماذا؟ عندها نحن نتحدث في الفلسفة. وعند استخلاص استنتاجات فلسفية من المُعطيات العلمية، فأنت تفكر كفيلسوف.
كان سبب رجوعه عن الإلحاد هو أولاً: “العلوم الحديثة” التي تبحث داخل الخلية والجينات وطريقة عمل الكون والفيزياء. كانت هذه العلوم هي ما أظهرت له “التعقيد غير القابل للاختزال” ووجهت له تحدي من خلال ثلاثة أسئلة رئيسية:
كيف ظهرت قوانين الطبيعة؟
كيف نشأت الحياة كظاهرة من اللاحياة؟
كيف ظهر الكون لحيز الوجود؟ الكون الذي نعني به كل الموجودات الفيزيائية؟
ثانياً: كانت لديه مشكلة وهي “كيف يُعرَّف الإله؟” أي انه كيف يمكننا تعريف كائن ليس له وجود فيزيائي ولا يمكن قياسه؟ كيف ننسب لهذا الكائن غير المادي أفعال مادية؟
الكتاب مقسّم لجزئين رئيسيين، الجزء الأول يسرد فيه كيف ولماذا كان ملحداً، والجزء الثاني كيف تراجع عن إلحاده. ثم ملحق كتبه “روي إبراهام فارجيس” لنقد أطروحات ما يُسميه “الإلحاد الجديد” والذي يتصدره “ريتشارد دوكينز” و”دانيال دينيت” و”سام هاريس” و”فيكتور ستنجر”، يليه ملحق ثاني وهو حوار “أنتوني فلو” مع القس “نيكولاس توماس رايت” حول الفكرة المسيحية القائلة بأن “الله كشف ذاته عبر التاريخ الإنساني في السيد المسيح” (وفي هذا الجزء بالأخص يقوم المُترجم -وهو مسلم الديانة- بالتعليق كثيراً على محتوى المناظرة. لذلك الهوامش في هذا الفصل -وطوال الكتاب- ليست من كتابة أنتوني فلو).
الآن أنا أؤمن بأن الكون قد ظهر إلى الوجود عن طريق الذكاء اللامحدود. أؤمن بأن قوانين الكون المتشابكة المعقدة صعبة التحليل، تعكس ما أسماه العلماء عقل الإله. كما أؤمن أن نشأة الحياة وتنوعها أساسهما مصدر إلهي.
بالطبع كوني مسيحي فأنا أرى ان الكتاب رائع ومفيد (لا أستطيع أن أنكر تحيزي). ولكن على الأقل يمكن أن يقدم هذا الكتاب كلا الجانبين (الملحد والمؤمن بوجود إله) بشكل مختصر ومُبسط، وبالتالي لا تحرم نفسك من قرائته.
بالمناسبة “أنتوني فلو” لم يصبح مسيحياً ولكنه أصبح يؤمن بوجود خالق ويرى أن الأديان غير حقيقية. وستقرأ ذلك في الملحق الثاني من الكتاب الذي حاور فيه القس “نيكولاس توماس رايت” عن المسيحية والتجسد الإلهي.
أخيراً، دار البراهين هي دار نشر إسلامية مهتمة بالكتب التي تنقد الإلحاد بشكل خاص ولها إصدارات رائعة. (سبق أن قرأت كتاب جوناثان ويلز، أيقونات التطور: علم أم خرافة؟). ولكن للأسف الكتب سعرها مرتفع نوعاً ما، وذلك للجودة الرائعة للورق. ولنا الشرف كقراء باللغة العربية أن لدينا مثل هذه الدار.
الغلاف مطابق لغلاف النسخة الإنجليزية.
ترجمة: جنات جمال
تقديم: د. محمد العوضي
يصدر عن: مركز براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية