تجاوز المحتوى

الوسم: علوم

كيف نجتنب كارثة مناخية: الحلول المتوافرة والاختراقات اللازمة – بيل غيتس

التقييم 5/5

“عندما يكون لدينا وجهة نظر قائمة على الحقائق، بوسعنا أن نرى أن العالم ليس سيئاً كما يبدو وبوسعنا أنرى ما يتعيّن علينا القيام به للاستمرار في تحسين هذا العالم” -هانز روسلينغ

الميزة الرئيسية لهذا الكتاب هو أن المؤلف غير متخصّص علمياً في المناخ، ومن ثم لغة الكتاب سهلة. المؤلف كان يوماً ما في موضع القارئ، شخص يسمع طوال الوقت عن الاحتباس الحراري، ويرى من يُكذِب ومَن يؤيد، ويشاهد أمامه الكثير من الأرقام، ولا يفهم معظم من المصطلحات. ما هو الحجم الحقيقي للمشكلة وهل هي بحق كما يُصوره لنا علماء ونشطاء المُناخ؟

منذ بداية الثورة الصناعية والحديث عن تلوث المُناخ لا يهدأ، ولكن هذه المرة زاد على ذلك هو الحديث عن الاحتباس الحراري، ولذلك تقريباً جميع القوانين المتعلقة بالمُناخ، والتي صدرت في أعتاب الثورة الصناعية تتحدث عن مكافحة التلوث، وليس الاحتباس الحراري.

بداية جائحة كوفيد-19 وبسبب التوقف شبه التام لمعظم وسائل المواصلات والمصانع أدى ذلك إلى انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 4.5% وبدأ الحديث يرتفع مرة أخرى عن مدى تأثير ذلك على البيئة والكوكب بشكل عام. لكن لفت نظري هو الاتهامات التي كانت توجّه إلى الصين باعتبارها المُسبّب الأكبر في هذه الانبعاثات واتهامها بتلويث الكوكب وتحميلها مسؤولية الاحتباس الحراري بنسبة أكبر من أي دولة أخرى، وذلك لتوسعها في استخدام الوقود الأحفوري بشكل كبير مثل الفحم والغاز الطبيعي.

هنا شاهدتُ إجابتين مثيرتين على تلك الاتهامات، الأولى هي أن هذه الدول “المتقدمة” كل حضاراتها وتقدمها العلمي والتقني واقتصادها الكبير هو نتيجة لاستخدامهم الوقود الأحفوري منذ الثورة الصناعية حتى الآن، فهل يحق لتلك الدول أن تزدهر وتتقدّم ولا يحق لنا ذلك أيضاً؟

الإجابة الثانية هي أن الصين والتي تُوصَف -عن حق- بأنها أكبر مصنع في العالم؛ وبالتالي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري إنما هي وصلت لهذا الوضع ببساطة؛ لأنها تصنع ما يستهلكه العالم أجمع وبشكل خاص أمريكا وأوروبا، وليس ما يستهلكه الصينيون! فالمصانع العملاقة التي في الصين الكثير منها أساساً مصانع أمريكية وأوروبية والكثير من المصانع الصينية تصنع منتجات يتم تصديرها وبيعها للأسواق العالمية وليس الصينية. فلماذا تعاقبني على شيء أنت السبب الرئيسي فيه؟!

الفصل 1: لماذا نقطة الصفر؟
يبدأ “بيل غيتس” بوضع الهدف الرئيسي الذي يجب على البشرية الوصول إليه وهو الوصول من 52 مليار طن إلى صفر، فالرقم الأول يعبر عن مجموع الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنوياً والرقم الثاني هو الهدف الذي يطمح أن نصل له قبل حدوث كارثة. ويفسّر لماذا يجب أن يكون الرقم صفر، وليس مجرد تقليل الانبعاثات وما هو تأثير الاحتباس الحراري علينا وما الضرر في زيادة درجة حرارة الكوكب درجة واحدة أو اثنتان؟ وهل حقاً هناك رابط بين الأعاصير والفيضانات والحرائق وبين الاحتباس الحراري؟

الفصل 2: الدرب شاقّة
قد لا يُدرك الكثير مدى حجم اعتمادنا الهائل على الوقود الأحفوري (نفط – غاز طبيعي) في حياتنا اليومية، وهذا ليس فقط متعلقاً بالدول الحديثة أو الصناعية مثل أمريكا وأوروبا والصين، بل ومستقبل الكثير من الدول الفقيرة التي تطمح للخروج من دائرة الفقر وتحسين مستوى معيشتها. فهناك الكثير من البشر لا يملكون محطات لتنقية مياه الشرب أو الزراعة أو محطات توليد كهرباء سواء للاستخدام المنزلي أو لتشغيل المصانع أو المستشفيات، “إذ لا يسعنا أن نتوقّع من الفقير أن يبقى فقيراً؛ لأن انبعاثات الدول الثرية من غازات الاحتباس الحراري كانت كثيفة” هذا بدون حتى حساب الزيادة في استهلاك الوقود الأحفوري نتيجة الزيادة السكانية في العالم، والذي يتوقع أن تصل إلى 10 مليارات نسمة بحلول نهاية هذا القرن.

وهناك أمر آخر وهو أنه لا يوجد إجماع على كارثة الاحتباس الحراري، ولا نقصد العلماء هنا، بل السياسيين الذي لسان حال الكثير منهم “نعم، المناخ يتغيّر، ولكن الأمر لا يستحق إنفاق كثير من المال لمحاولة وقف التغيُّر المناخي أو التكيف معه. عليه، عوضاً عن ذلك، أن نعطي الأولوية لقضايا أخرى تترك تأثيراً أكبر على رفاه البشر، كالصحة والتعليم”.

الفصل 3: خمسة أسئلة تُطرح في الحوارات كافة بشأن المناخ
في هذا الفصل يشرح لنا المؤلف قيمة الأرقام حتى نُدرك ما وضعنا الحالي لكي ما نستطيع إيجاد حلول واقعية تمنع وقوع الكارثة. هناك 6 فئات رئيسية تمثل مجموع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهم على التوالي:
29% صناعة الأشياء (إسمنت وفولاذ وبلاستيك)
26% توصيل (الكهرباء)
22% زراعة النباتات (الأسمدة والبذور) وتربية الماشية والحيوانات
16% التنقل (طائرات وشاحنات وسفن)
7% الحفاظ على الدفء والبرودة (تدفئة وتكييف وتبريد)
ومن خلال الأرقام السابقة تستطيع أن ترى أن ما كنا نتخيله عن السيارات والطائرات انهما السبب الرئيسي في الاحتباس الحراري يتضح أنهم يساهمون بواقع 16% وهو أقل مما تسببه الكهرباء والنباتات! فطوال الوقت الصورة الذهنية التي لدينا عن الكهرباء أنها طاقة نظيفة ولكننا نغفل أن محطات توليد هذه الكهرباء تعمل بالوقود الأحفوري وكذلك الأمر في صناعة الأسمدة للنباتات أو الأعلاف للماشية، ناهيك عن مكونات البناء المُستخدمة من أسمنت وفولاذ وبلاستيك لبناء المصانع والبيوت والمستشفيات والطرق والكباري والأدوات المنزلية والبنية التحتية… الخ
لذلك في هذا الفصل ينبهنا المؤلف لضرورة الإجابة عن خمسة أسئلة محددة أثناء أي حديث عن الاحتباس الحراري ومواجهته. تلك الأسئلة ستكون بمثابة المُرشد لنا للوصول إلى الحلول الواقعية.

الفصل 4: الوصول بالقابس (26% من 52 مليار طن في السنة)
يركز “بيل غيتس” في هذا الفصل على “الكهرباء” والتي تساهم بنسبة 26% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويشرح لنا بشكل ممتع حجم المشكلة وحجم التحديات على الصعيد التكنولوجي والسياسي والاقتصادي. وما هي التقنيات المتوفرة لدينا في الحاضر لتوليد الطاقة الكهربائية وجدوى كل واحدة منهم بدئاً بالفحم والغاز الطبيعي ومرورا بالطاقة الشمسية والرياح ونهايةً بالطاقة النووية سواء انشطارية أو اندماجية.

الفصل 5: كيف نصنع الأشياء (29% من 52 مليار طن في السنة)
في هذا الفصل يشرح “بيل غيتس” بشكل أكثر تفصيلاً فكرة في غاية الأهمية، وهي “صناعة الأشياء” فعلى سبيل المثال نحن نريد أن تتحول جميع السيارات والسفن والقطارات والطائرات (وسائل التنقل والمواصلات) من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة (أي الكهرباء بشكل أكثر تحديداً) ولكننا لا ندرك أننا نحتاج الوقود الأحفوري لصناعة جميع وسائل التنقل والمواصلات، وذلك لأن جميع تلك الأشياء وغيرها مصنوعة حصراً من الحديد والفولاذ والبلاستيك والألومنيوم والنحاس وغيرها من المعادن. نحن نحتاج إلى مادة الأسمنت (الخرسانة) والفولاذ لبناء الطرق والجسور والكباري والسكك الحديد وأبراج الهواتف الخلوية وأسلاك شبكة الإنترنت. نحن نحتاج البلاستيك بشكل رئيسي في صناعة الأدوات الطبية والجراحية ونظارات العيون والحواسب والشاشات… الخ

ويعرفنا أيضاً المؤلف مفهوم “العلاوة الخضراء” وكمثال يشرح ذلك المفهوم هو إذا كان لتر البنزين يساوي 1 دولار ولتر الوقود الحيوي يساوي 1.5 دولار، فإن الدولة تتحمل تكلفة الفرق بين سعر البنزين والوقود الحيوي (أي نصف دولار) مما قد يشجع الشركات والمستهلكين لاستخدام بدائل أفضل، ولكن العائق هو أن “العلاوة الخضراء” تختلف من صناعة لأخرى، وتتفاوت بشكل كبير جداً مما يجعلها شبه مستحيل تطبيقها.

الفصل 6: الزراعة وتربية الماشية (22% من 52 مليار طن في السنة)
كما سبق في الفصول السابقة ستندهش من معرفة أن جميع وسائل التنقل في العالم (سيارات وسفن وطائرات) يمثلون فقط 16% من حجم الانبعاثات الحرارية، وان وسائل التبريد والتكييف تمثل فقط 7%، أي أن جميع السيارات والسفن والطائرات ووسائل التبريد والتدفئة تمثل 23% من إجمالي الانبعاثات الحرارية، في حين أن الزراعة وتربية الماشية تمثل بمفردهاً 22%! ومع ذلك لا نسمع أحد يتحدث عن تقليل الزراعة أو التوقف عن تربية الماشية! هذا الفصل كان ثاني أكثر الفصول صدمة لي بعد الفصل الرابع الذي تحدث عن توليد الكهرباء.

الفصل 7: وسائل النقل (16% من 52 مليار طن في السنة)
في هذا الفصل بالتحديد شعرتُ وكأن “بيل غيتس” يقول لي، هل تتذكر كل المعلومات السابقة التي حدثتك عنها طوال الستة فصول السابقة عن أهمية الطاقة النظيفة وكارثة الاحتباس الحراري والانبعاثات؟ حسناً، كل هذه الحلول غير واقعية ومستحيل تطبيقها في الواقع!
لأن النظرة العامة هي ان المشكلة في السيارات التي تعمل بالبنزين، ولكن المشكلة أعمق من ذلك، فنسبة السيارات الخاصة لا تُقارن بنسبة نقل البضائع سواء سيارات أو القطارات أو السفن أو الطائرات ومدى ارتباطها بالتجارة العالمية من مواد خام ومواد غذائية وبترول وفحم… الخ

فالموضع أصعب مما نتخيل فالحضارة الإنسانية قامت على الوقود الأحفوري. كل ما نحن فيه الآن، أنظر حولك لترى الوقود الأحفوري في كل شيء، خرسانة وإسمنت ومعادن وبلاستيك وبنزين وفحم وكهرباء… في النظارة الطبية والثلاجة والموبايل والسيارة والمصعد والمقعد وحبه الدواء وصناعة الخبز والغذاء… كل ما يمكنك تخيله سواء في بحر أو بر أو سماء.

الفصل 8: وسائل التدفئة والتبريد (7% من 52 مليار طن سنوياً)
التدفئة والتبريد ليس يعني فقط أجهزة التكييف، ولكن يشمل أيضاً الأفران التي تعمل بالغاز الطبيعي (سواء لتدفئة المياه أو أفران صناعة الغذاء أو إنتاج مواد صناعية) وكما يقول الكاتب “لم يعدّ التكييف مجرّد ترف ممتع يساعد على تحمل أيام الصيف الحارة، بل أصبح الاقتصاد المعاصر يعتمد عليه”. لكن الميزة في هذا الفصل خاصة هو سهولة تقليل الانبعاثات بشكل كبير جداً فقط عن طريق الالتزام بالقوانين! فالتكنولوجيا في مجال التبريد خاصة وصل لمراحل متقدمة جداً، ولا يبقى غير أن تتبناها الشركات.

الفصل 9: التكيّف مع عالم أدفأ؟
عند سماع كلمة “الاحتباس الحراري” غالباً ما يتبادر إلى ذهن هو انصهار الجليد في القطب الشمالي والجنوبي وبالتالي زيادة منسوب المحيطات وحدوث فيضانات كبيرة وغرق الكثير من دول العالم، ولكن الاحتباس الحراري له أشكال كثيرة جداً بخلاف انصهار الجليد، فعلى سبيل المثال إذا كنت في دولة تعتمد الزراعة لديها على مياه الأمطار، فسيكون زيادة نسبة الأمطار كارثة ستؤدي إلى إغراق المحاصيل، أو إذا كنت في دولة لديها محاصيل تعتمد على المناخ الجاف، فحدوث الأمطار نتيجة للتغير المناخي هو بمثابة كارثة أيضاً. زيادة درجة الحرارة في بعض مناطق العالم ستؤدي إلى حدوث جفاف في التربة الزراعية؛ وبالتالي موت المحاصيل مما سيؤدي إلى تقليل كميات الغذاء المتاحة للأشخاص أو للحيوانات. نقص الغذاء عامة هو سبب رئيسي لضعف المناعة لدى البشر وبالتالي انتشار الأوبئة والأمراض وموت كثير من الأطفال نتيجة لسوء التغذية. هؤلاء الأطفال هم وقود المستقبل. اختلاف درجات الحرارة أيضاً -سواء بالزيادة أو النقصان- يؤثر على الكائنات البحرية بشكل مباشر، وبالطبع أنت ترى معي نتائج ذلك التأثير.

وهنا يستعرض الكاتب أحد أبرز المجموعات البحثية في الزراعة على مستوى العالم وبعض إنجازاتهم في مجال الزراعة في الدول الأفريقية من خلال تطوير محاصيل معدلة وراثياً وتدريب المزارعين واستحداث تقنيات زراعية جديدة، والتي أسهمت بتحسّن كبير في معيشة الأُسر هناك. ويستعرض أيضاً بعض التقنيات المُسماة بـ “الهندسة الجيولوجية” ودورها في مكافحة الاحتباس الحراري.

الفصل 10: أهمية السياسات الحكومية
شهدت الخمسينيات والستينيات القرن الماضي ضجة كبير حول تلوّث الهواء خاصة بعد الحادثة الشهيرة “الضبخان الكبير في لندن عام 1952” ونتج في تلك الفترة “قانون الهواء النظيف في أمريكا” وإنشاء “وكالة حماية البيئة” عام 1970. مما يوضّح أهمية دور الحكومات في وضع السياسات المنظمة، والتي أدت بالفعل إلى نتائج مبهرة في فترة زمنية قصيرة سواء في أمريكا أو لندن أو الصين… الخ ويضع “بيل غيتس” سبعة أهداف يجب أن تكون بمثابة الخطوط العريضة التي السعي إلى تحقيقها الحكومات بشكل خاص والأفراد والشركات بشكل عام.

  1. التركيز على الثغرة الاستثمارية.
  2. تكافؤ الفرص.
  3. تخطّي الحواجز غير السوقية.
  4. البقاء على اطّلاع على آخر المستجدات.
  5. التخطيط للمرحلة الانتقالية.
  6. القيام بالأشياء الصعبة أيضاً.
  7. العمل على تكامل التكنولوجيا والسياسات والأسواق.

الفصل 11: خطة لبلوغ نقطة الصفر
يضع الكاتب في هذا الفصل خطة عمل للدول الثرية للوصول إلى “الصفر” بحلول عام 2050، وعلى الرغم أنه يشير إلى هدف قمة المناخ بباريس بتقليل الانبعاثات الحرارية بحلول عام 2030 إلا أن الكاتب يرى أن الهدف يجب أن يكون “الصفر” وليس “التقليل” خاصة وأنه يرى بأن العام 2030 هو هدف غير واقعي. فحجم التغيير المطلوب إحداثه من قِبل الدول العظمة “الثرية” كبير جداً ويتطلب تمويلاً ضخماً جداً. فالمطلوب للوصول إلى “الصفر” بعض التقنيات (والتي ذكرها الكاتب في الفصول السابقة بالتفصيل) وهي:

  • إنتاج الهيدروجين من دون التسبّب بانبعاث الكربون
  • إمكانية تخزين الكهرباء على مستوى الشبكة لمدة فصل بكامله
  • وقود كهربائي
  • وقود حيوي متقدم
  • إسمنت خالٍ من الكربون
  • فولاذ خالٍ من الكربون
  • لحوم ومشتقات الحليب النباتية والمصنّعة
  • أسمدة خالية من الكربون
  • انشطار نووي من الجيل الثاني
  • انصهار نووي
  • التقاط الكربون (التقاط الكربون بشكل مباشر ونقاط الالتقاط)
  • إمداد الكهرباء تحت الأرض
  • بلاستيك خالٍ من الكربون
  • طاقة حرارية جوفية
  • تخزين حراري
  • طاقة كهرومائية بالضخ
  • محاصيل غذائية مقاومةٍ لحالات الجفاف والفيضانات
  • بدائل لزيت النخيل خالية من الكربون
  • مبّردات لا تحتوي على غازات مفلورة

تلك التقنيات تستلزم تمويل حكومي ضخم بالأساس، وذلك لأن الاستثمار في مجال الطاقة يحتاج إلى تمويل ضخم وذو مخاطر عالية وطويل الأمد؛ مما يجعله غير جاذب للقطاع الخاص. فيجب على حكومات الدول الثرية الإمساك بزمام المبادرة. وهذا ما يوضّحه الكاتب في نموذج عمل “يطبّقه على الولايات المتحدة الأمريكية” لكيفية الوصول إلى “الصفر” بحلول عام 2050.

الفصل 12: ما يمكن أن يفعله كلٌّ منّا
في هذا الفصل القصير جداً، والتي يُقدّم فيه الكاتب بعض النصائح التي يمكن أن نتبعها على مستوى الفرد (يقصد طبعاً الفرد في الدول الديموقراطية) والتي تبدأ بالأساس في الانخراط في السياسة، ويعني بذلك مثل التحدث إلى رؤساء البلديات والجالس التشريعية وأعضاء الكونجرس أو الترشّح لمنصب حكومي أو محلي يستطيع من خلاله إحداث فارق أو توصيل صوت.

يمكنك أيضاً المساهمة بصفتك “مستهلك”، فحاول على قدر الإمكان أن تختار البدائل الأفضل، فمثلاً إذا كنت تمتلك جهازاً يعمل بتكنولوجيا قديمة حاول استبداله بجهاز جديد ذو كفاءة أعلى، استبدل المصابيح الكهربائية لديك بمصابيح LED. عند بنائك لمنزلك استخدم مواد عازلة حرارياً لتتجنب استهلاك طاقة مستقبلاً سواء لتبريد المنزل إذا كنت من سكان المناطق الحارة، أو تدفئته إذا كنت من سكان المناطق الباردة. حاول تقليل استهلاكك للحوم ومنتجات الألبان. إذا كان لديك القدرة المالية قم بشراء سيارة كهربائية. قم بدعم الشركات التي تستخدم طاقة نظيفة عن طريق شراء منتجاتها. قم بتمويل المشاريع الناشئة التي تحاول إيجاد حلول لطاقة نظيفة.

للقطاع الخاص دوراً هاماً أيضاً، من خلال تبنيه مواد خام منخفضة الكربون. وعن طريق تمويله لبحوث تطوير تُزيد من كفاءة الطاقة النظيفة، فالكثير من الشركات الكبرى التزمت باستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة في عملياتها التصنيعية واللوجستية مثل مايكروسوفت وأمازون وديزني وغوغل وميرسك MAERSK. إذا كُنت مُصنِّع لمنتج ما فحاول أن تتيح اختيار منخفض الكربون حتى وإن كان أغلى سعراً.

خاتمة: تغيُّر المُناخ وكوفيد-19
“علينا العمل معاً”… يمكننا أن نعتبرها كلاماً مُبتذلاً، ولكنها صحيحة. وجائحة كورونا شاهدة على ذلك، فعندما اتّحدت الشركات والحكومات معاً توصلنا لتطوير لقاحات واختبارها في وقت قياسي. لذلك علينا أن ندعم العلم. علينا أن نساعد المجتمعات لتبنّي الطاقة النظيفة، وذلك أيضاً لمصلحتنا الذاتية. لن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع في ولاية تكساس إذا لم تتوقف الانبعاثات عن الارتفاع في الهند.

نحن في حاجة أيضاً للتخطيط للانتقال إلى مستقبل خالٍ من الانبعاثات، فالدول الفقيرة ستحتاج إلى مساعدة كبيرة. وهذا الانتقال سيُحدث اضطراباً في المجتمعات التي يعتمد اقتصادها على الوقود الأحفوري بشكل رئيسي مثل تعدين الفحم، أو صناعة الفولاذ، أو الأسمنت، أو صناعة السيارات. الكثير من سائقي الشاحنات أو عمال السكك الحديد أو عمال المناجم سيخسرون وظائفهم عند التقليل من استهلاك الفحم والوقود المخصص للتنقل. عليناً مسؤولية تجاه المستقبل وستكون هناك “تكلفة” علينا كبشر أن نكون مستعدين لسدادها.

أخيراً، الترجمة رائعة، وتصميم الغلاف سيئ.

ترجمة: فاديا قرعان
الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة الأولى 2022
عدد الصفحات 258
الترقيم الدولي 9786144585726

Leave a Comment

إيلون ماسك: شركتا تيسلا، سبيس اكس والتطلع لمستقبل رائع – اشلي فاينس

scan0001

التقييم 5/5

أحلام بدون أهداف، تظل أحلام. وأهداف بدون انضباط واصرار لا تؤدي إلى شيء. – دينزل واشنطن (الممثل العالمي)

هذا الاقتباس من خطاب لدينزل واشنطن في مجموعة من الممثلين الشباب على خشبة مسرح، هو ما كان يتردد في ذهني طوال قرائتي لهذا الكتاب. فالكتاب هنا يدخل مباشرة وبعمق في عالم إيلون ماسك، وهو يختلف تماماً عن الصورة التي يُصدرها لنا محبوه. نعم، بلا شك هو أحد عباقرة القرن الواحد والعشرين، ونعم هو “توماس أديسون” هذا القرن، ولكن هذا ليس بدون مقابل.

الفصل الأول: عالم إيلون ماسك

في الفصل الأول يحكي الكاتب كيف التقى بإيلون ماسك وكيف وافق (وهو المعروف برفضة للأحاديث الإعلامية) على أن يقابل “آشلي فاينس” الذي كان بدأ بالفعل في تأليف كتاب عن إيلون ماسك. فبعكس جميع من سبقوه من الصحفيين، لم يتوانى “آشلي” عن طلب مقابلة إيلون، وظل يرسل له العديد من الإيميلات، على الرغم من ان الكاتب كان في استطاعته تأليف الكتاب بدون إيلون ماسك، فقد ترك العديد من موظفيه شركاته وبالتأكيد سيرحبون بأي فرصة للحديث عن إيلون سواء بالإيجاب أو السلب (وما أكثر الفئة الثانية). وأخيراً بعدما أجرى الكاتب حوارات مع 200 شخص اتصل به إيلون وقال له “آشلي” إما أن يجعل حياته عسيرة جداً أو يساعده في مشروعه على أية حال. وبالفعل تقابل كلاهما في أحد المطاعم حتى يضع كل منهما شروط التعاون الذي سيتم.

يعطي الكاتب نظرة سريعة عن عقلية إيلون ماسك وشخصيته غير العاطفية والتي لا تعرف شيء إلى المنطق، بما يُذكرك بشخصية “كابتن سبوك” في سلسلة “Star Trek” الشهيرة. هذه الشخصية التي لا تجد الحرج في إخبار الناس عن عيوبهم في وجوههم ويعتقدون أن هذا سيُسعدهم لأنه يكشف لهم الأخطاء التي يجب أن يصلحوها. حتى أنه عندما توفي طفله الأول لم يبكي، وكان يرى أن البُكاء والحزء لن يقدم للمستقبل شيء، وعليه طلب من زوجته أن لا تحزن.

يقدم الفصل الاول أيضاً نبذة عن عالم “وادي السيليكون” وكيف أنه انحرف عن هدفه الأصلي وأصبح هو الطريق إلى الثراء السريع مثلما كان التنقيب عن الذهب قديماً، وكيف ان وادي السيليكون يؤثر سلباً على مستقبل البشر، حتى أن “جوناثان هوبنر” وهو فيزيائي يعمل لصالح مركز أبحاث الحرب الجوية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية وهو يصمم الأسلحة منذ 1985، وقد كان من أوائل الناس الذي حذروا من انحراف وادي السيليكون وتأثيره السلبي على أعداد الابتكارات وان العالم اكتفى بتحسين الابتكارات الحالية بدلاً من صناعة ابتكارات جديدة، حتى أن “بيتر تيل” وهو أحد مؤسسين موقع فيسبوك وأول مستثمر فيه قال :“أردنا سيارة طائرة، فحصلنا بدلاً منها على 140 حرفاً” (في إشارة لموقع تويتر).

وينتهي الفصل بالحديث سريعاً عن حياة إيلون العاطفية منطقه الغريب في انه بالفعل يريد الارتباط ولكنه لا يملك متسع من الوقت، وكانت خطته أن عليه فقط أن يُوجد القليل من الوقت الاضافي: “أعتقد ان الوقت المخصص لأعمالي وأولادي يسير جيداً. لكنني أود تخصيص المزيد من الوقت للتعارف من أجل الزواج. أريد البحث عن شريكة حياة. لهذا، عليَّ أن أوجد القيلي من الوقت الإضافي فحسب. اعتقد ربما حتى خمس إلى عشر… كم من الوقت تريد النساء في الأسبوع؟ عشر ساعات ربما؟ هذا هو الحد الأدنى نوعاً ما؟ لا أعرف”.. فكما قالت “جاستين” زوجته السابقة: “إنه يفعل ما يريده، بلا هواده. هذا عالم إيلون. أما بقيتنا فيعيش فيه فحسب”.

الفصل الثاني: أفريقيا

يعود الكاتب في هذا الفصل لأيام الطفولة لإيلون، من هي عائلته ومن أين تنحدر. وللحق كانت عائلة داعمة لأي موهبة تظهر على أحد أفرادها، فهي لا تعير اهتماماً للفشل وتساعدك بكل الطرق الممكنة لكي ما يمكن. عائلة ماسك لم تؤمن في يوم ما بالضرب كأسلوب للتربية ولديها قناعة بأن الطفل سيعود عاجلاً أم آجلاً بمفرده للفطرة السليمة.

منذ الصغر أحب إليون القراءة، وسبب هذا له العديد من المشاكل، ولكن تعتبر هذه هي نقطة قوة إيلون ماسك طوال حياته، فعندما يريد أن يعرف شيء عن موضوع ما، يُصاب بالهوس حتى يقرأ كل ما يتعلق على هذا الموضوع، فبعدما حصل إيلون على أول جهاز كمبيوتر بذاكرة خمسة كيلوبايت وكُتيّب تشغيل يشرح لغة “بيسك – Basic” للبرمجة يقول إيلون: “كان من المفترض أن يستغرق تعلم كل الدروس ستة أشهر تقريباً. لكن أصابني وسواس قهري شديد تجاه الأمر، فظللت ساهراً لثلاثة أيام بلاد نوم حتى تعلمت كل شيء”، ولم يكن غريباً أن يقرأ لعشرة ساعات في اليوم أو عندما يتسوق هو وأخوته مع والدتهم كانوا يكتشفون أنه ليس معهم، فيعودون للمكتبة التي كانوا بها ليجدوه جالس على الأرض في يده كتاب ومندمج معه لأبعد حد، حتى إنه لا يُدرك ما حوله: “في مرحلة ما، كنت قد قرأت جميع الكتب في مكتبة المدرسة ومكتبة الحي. ربما كنت في الصف الثالث أو الرابع حينذاك. وحاولت أن أقنع أمين المكتبة أن يطلب لي كتباً مخصوصة. عندها بدأت قراءة الموسوعة البريطانية. كانت مفيدة جداً. إن المرء لا يُدرك مدى جهله إلا إذا عرف أكثر. لقد أدركت أن هناك الكثير من الأمور التي لا أعرفها”، وساعده في ذلك إمتلاكه لذاكرة تصويرية يستطيع من خلالها استرجاع المعلومات بشكل سريع وبالحرف الواحد، حتى أن أخته كانت تقول “اسألوا الفتى العبقري” عندما يسأل أحد عن أي شيء. ولكن بالطبع هذه الموهبة لم تكن رائعة دائماً، فبسبب قراءات ماسك، أصبح عقله لا يفكر مثل بقية الأطفال وشخصيته مختلفة، جعلت منه منبوذا من باقي الأطفال ولا يرغبون في اللعب معه وامتد الامر إلى أخوته، فقالت أحد المرات أخته الصغيرة عندما طلبت منها أمها أن تُشرك إيلون معها هي وأصدقائها في لعبهم: “لكن اللعب معه ليس مسلياً يا أمي”.

بعد فترة أنفصل والديه عن بعضهما وهنا قرر إيلون أنه سيعيش مع والده وهو ما أحزن أمه ولكنه يبرر هذا: “بدا أبي حزيناً ووحيداً، كان لأمي ثلاثة أولاد. ولم يكن له أحد. بدا هذا ظماً”، ووالد إيلون كان مهندساً متميزاً ووفّر لإيلون كل المتطلبات للمارسة هوايته سواء قراءة الكتب أو التعلق بالكمبيوتر والانترنت. ولكن من الناحية النفسية لم يكن والده طيباً، كان يمارس إرهاباً نفسياً علي ماسك وأخوه “كميبال” حتى ان ايلون لا يحب الحديث عن والده أو فترة عيشه معه وقد حذّر المؤلف “آشلي” بعدم تكرار مراسلة والده أو أخذ حديث منه عن طفولته، يقول عنه ماسك: “انه بارع في جعل الحياة تعسة… هذا مؤكد… بإمكانه أن يحول أي موقف مهما كان جيداً إلى موقف سيء. إنه ليس رجلاً سعيداً. لا أعرف… سحقاً.. لا أعرف كيف يمكن أن يصبح أحد هكذا”، وقد قطع إيلون وزوجته الأولى عهداً ألا يسمحا لأولادهما بمقابلة والده “إيرول”.

ويكمل الفصل جزئه الأخير عن الحياة المدرسية لإيلون والتي لم تسر بشكل جيد، فقد كانت هناك عصابة من الأطفال يلاحقونه دائماً ويضربوه وكثيراً ما كانوا يحذرون أي شخص من مصادقته وإلا أوسعوه ضرباً ولذلك استمر في عزلته ولكن كان قد وضع هدفاً وهو السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بلا رجعة وإلى الأبد.

الفصل الثالث: كندا

في هذا الفصل يُعرفنا الكاتب على الحياة الجامعية لإيلون ماسك، وبداية ظهور الجانب الرومانسي في شخصيته وارتباطه بـ “جاستين ويلسون”، وكيف انه حاول البحث عن مجموعة من الأشخاص الذين يستطيعون فهمه وعدم السخرية منه وبالتالي أوجد لنفسه بيئة مناسبة له.

بدأت تتكون الصورة الأهم لمستقبل إيلون أثناء هذه الفترة، وحدّد إيلون بالتحديد اهتمامته المستقبلية، فقد كان يريد أن يكون تأثيره ملموس وواقعي وليس مجرد أفكار جديدة تتعلق بالانترنت (والذي كان في بداياته). زاد اهتمامه القديم بالطاقة الشمسية وبالعثور على طرق أخرى لتسخيرها وكتب بحث بعنوان “أهمية الطاقة الشمسية” وتوقع زيادة تكنولوجيا الطاقشة الشمسية وبناء محطات طاقة شمسية واسعة وعمل على تحسين كفائة الخلايا الشمسية. وأيضاً كتب بحثاً عن مسح المستندات البحثية إليكترونياً، والقيام بالتعرف الضوئي على حروفها… ما يُشبه مزيج من Google Books وGoogle Scholar في يومنا هذا. وتناول في بحث ثالث المكثفات الكهربائية الفائقة وكيفية تحسين أداء البطاريات وتخزين الطاقة بكميات أكبر ولمدة أطول. وكان -ومازال- إيلون مهووساً بألعاب الفيديو من طفولته وقد تلقى تدريباً في ذلك، وكانت لديه الرغبة في إنشاء شركة ألعاب فيديو: “أحب ألعاب الحاسوب جداً، ولكنني إذا صنعت ألعاب حاسوب شديدة الروعة، فكم سيكون تأثيرها على العالم؟ لن يكون لها تأثير كبير. ومع أنني أحب ألعاب الفيديو حقاً، لم أستطع إجبار نفسي على جعل تصنيعها مهنة لي، وسيتضح حبه للألعاب عند تأسيسه لشركة الفضاء Space X، ففي بعض الليالي الأسبوعية وفي تمام الثامنة مساءً كان يسمح ماسك للجميع باستخدام حواسبيهم الخاصة بالعمل للعب ألعاب الفيديو الخاصة بإطلاق النار مثل Counter-Strike والتي كان ماسك بارعاً حقاً فيها وكان يلعب تحت اسم مستعار “راندوم 9”: “كان المدير التنفيذي يطلق علينا الصواريخ ومدافع البلازما. الأسوأ من هذا أنه شديد البراعة بهذه الألعاب لدرجة تكاد تكون مقلقة ورود أفعاله سريعة لدرجة جنونية. كان يعرف كل الحيل وكيفية الاقتراب خلسة من الآخرين والنيل منهم”.

حرص إيلون دائماً على توضيح تلك الفترة من حياته، حيث شغفه بالطاقة الشمسية والألعاب والفضاء والصواريخ والسيارات الكهربائية. أراد أن يعرف العالم أنه مختلف عن رواد الأعمال العاديين في وادي السيليكون، وأنه لم يستكشف أحدث الصيحات ببساطة أن فكرة الثراء لم تستحوذ عليه؛ بل كان يسعى لتنفيذ مخطط رئيسي طوال الوقت: “كنت أفكر في تلك الأمور فعلاً في الجامعة؛ هذه ليست مجرد قصة لُفقت بعد وقوعها. لا أريد أن أبدو كوافد جديد أو كما كنت ألاحق صيحة عابرة أو كمجرد شخص انتهازي. أنا لست مستثمراً؛ بل أحب تطبيق التكنولوجيا، التي أعتبرها مهمة للمستقبل ونافعة بطريقة أو بأخرى على أرض الواقع”.

الفصل الرابع: أول شركة ناشئة لـ “إيلون” (Zip2)

بداية إيلون ماسك الحقيقية في عالم الأعمال، وبداية احتكاكه مع المبدعين في كل مجال. أراد إيلون تأسيس النسخة الإليكترونية من دليل الهواتف الشهير “يلو بايدجز – Yellow Pages” ولكن بنسخة أفضل حيث سيضيف له الخرائط. تذكر أن هذا قبل أن يوُجد ما يُعرف بخرائط جوجل بسنوات. وهو ما يشبه حالياً خدمة Yelp + Google Maps مجتمعين.

بدأ الأمر أولاً بأن أراد ماسك واخوه كيمبال بتأسيس شبكة خاصة بالأطباء على الانترنت، شيء أشبه بنظام يتيح للأطباء تبادل المعلومات فيما بينهم (كشبكة أجتماعية للأطباء مثلاً) وبدؤا في وضع خطة العمل والعمل على جانب التسويق والمبيعات ولكن الأمر لم يفلح، ولم يتحمسا كثيراً له. وفي تلك الفترة كان ماسك يعمل في شركة ناشئة اسمها “روكيت ساينس جيمز – Rocket Science Games” تحاول تطوير الألعاب عن طريقة نقلها من الشرائط إلى الاسطوانات المُدمجة CD بحيث يمكنها تخزين معلومات أكبر وتقديم سرد سينيمائي للألعاب. وكان فريق العمل مجموعة من النجوم حقاً، فكان “توني فاديل” وهو من أدار جزء كبير من عملية تطوير جهاز iPod و iPhone لصالح شركة أبل، وكذلك الأشخاص الذين طوروا برنامج الوسائط المتعدد الخاص بأبل Quick Time، وعمل لديهم أيضاً من صنعوا مؤثرات فيلم Star Wars الأصلي في شركة Industrial Light & Magic، وكذلك بعض من صنعوا الألعاب في شركة LucasArts Entertainment، وهو ما أعطى إيلون فكرة عما يقدمه وادي السيليكون من ثقافة وموهبة.

واثناء فترة تدريب إيلون في وادي السيليكون أتى مندوب مبيعات من شركة “Yellow Pages” إلى أحد مكاتب الشركات الناشئة ليقنعهم بفكرة إنشاء “دليل” على الانترنت للشركات مثل “الدليل العادي” الذي لدى شركة “يلو بايدجز – Yellow Pages” ولكن كان واضحاً انهم لا يفهمون ما هو الانترنت أو كيفية عمله، يقول كيمبال: “قال لي “إيلون” انهم لا يعرفون عم يتحدثون. ربما يمكننا فعل شيء ما حيال ذلك” ومن هنا أنشأوا شركة Global Link Information Network والتي سيصبح اسمها بعد ذلك Zip2.

هناك تفاصيل كثيرة أخرى، عن الشركة التي اندمج معها وعن محاولة طرده من شركته وعن فقدان الرؤية وعن محاولتهم في إقناع الصحافة بالاستثمار في الإعلانات المبوبة على الانترنت وأشياء أخرى مثيرة.

كان ماسك يعمل طوال الوقت بدون أجازات، بل ان مقر الشركة الأول كان حيث يعيش ماسك وكيمبال، حتى انه كان يطلب من الموظفين عندما يأتون في الصباح أن يركلونه بأرجلهم حتى يستيقظ ويكمل عمله، وقد كتب البرنامج بنفسه وأضاف تحسينات كثيرة وأفكار رائعة موجودة الآن في كل برنامج خرائط كأمر افتراضي. ستجدون معلومات كثيرة عن كيفية إدارة ماسك لشركة الأولى وكيف تعامل مع الموظفين (الموهوبين) في شركته، وماذا كان رد فعل الموظفين عليه؟ وعن توسعه وعن بيعه للشركه وحصوله على 22 مليون دولار.

الفصل الخامس: زعيم مافيا “باي بال”

بمجرد أن أدرك ماسك من أن شركه Zip2 في طريقها للبيع، حتى بدأت العمل على مشروعه القادم. كان قد سبق لإيلون أن عمل مع رئيس قسم الاستراتيجيات بأحد المصارف وعليه أتت فكرة إنشاء مصرف ولكن على شبكة الإنترنت (مصرف إليكتروني)، وكالعادة حاول الناس بإقانعه بالعدول عن هذه الفكرة، قائلين ان الامر سيستغرق مدة طويلة قبل أن يصبح التعامل مع الانترنت آمن بما يكفي لإقناع العملاء، أو كما أوضح الباحثون بمعهد بينيكال: “لا يكاد الناس ستقبلون فكرة شراء الكتب عبر الانترنت. وربما يجازفون بإستخدام رقم بطاقتهم الائتمانية، لكن العديدين منهم كانوا يعتبرون الكشف عن حساباتهم المصرفية أمراً مستحيلاً. كان ماسك يريد إنشاء مؤسسة مالية متكاملة الخدمات على الانترنت: شركة تحتفظ بحسابات التوفير والحسابات الجارية، إلى جانب خدمات السمسرة والتأمين.

أنشأ إليون شركته والتي تحمل اسم “إكس دوت كوم  X.com”واستثمر كل ماله حيث تبقى له 4 ملايين فقط وكان ماسك -كعادته- يعد الجميع بأشياء كبيرة لذا، كان كل شيء -سمعته وأمواله- على المحك. فعالم المصارف ليس بالمجال الصغير وهو مجال قديم وله رواسخ وبه أموال طائلة على استعداد أن تدمر أي شخص يحاول أن يسلب منها أي شيء.

قام إيلون بتجميع فريق من “النجوم” ليؤسس الشركة ولكن الأمر الوحيد الذي كان يعوقهم هو معرفة إيلون البسيطة بالمجال المصرفي. لذا، قام إيلون بشراء كتاب ليقرأه حتى يفهم ولكن كما قال: “بعد مرور أربعة أشهر أو خمسة، كنا لا نزال نكتشف خفايا الأمر فحسب”. ولكن أنطلق إيلون في وعود الجميع بأشياء حالمة.

استطاع إيلون الحصول على دعم من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) وثلاثة صناديق استثمار مشتركة، وأطلقوا الموقع الإليكتروني، وكان كل شخص يقوم بالتسجيل يحصل على بطاقة ب20 دولار وكل شخص يقوم بدعوة شخص آخر يحصل على بطاقة بـ 10 دولار، وقام بإلغاء بعض الرسوم والغرامات التي تستخدم في المصارف، وأنشاؤا نظاماً للدفع بين الأفراد عن طريق البريد الإليكتروني والتي كانت فكرة ثورية في وقتها، فيمكن لاي شخص تحويل الاموال لشخص آخر عن طريق الايميل بدون الدخول في الاجراءات المصرفية البطيئة، وقد جذب الموقع ما يزيد عن 200.000 شخص في شهوره الأولى.

كانت هناك شركة أخرى جديدة منافسة تُسمى “كونفينيتي” والتي كانت تمتلك شركة “باي بال PayPal” وكانت المنافسة شديدة بينهم لجذب المزيد من العملاء لاستخدام خدماتهم ولقد اُنْفِقت عشرات الملايين على الحملات الترويجية بينما خُسرت ملايين أكثر في محاربة القراصنة الذين استغلوا الخدمة كمجال جديد للاحتيال.

ولكن في مارس عام 2000 قررت الشركتان التحالف والتوقف عن تبديد أموال بعضهما. وقدمت إكس دوت كوم عملية وضع شرط الدمج بين الشركتين وجعلت “ماسك” أكبر مساهم في الشركة الجديد بعد الدمج والتي اصبح اسمها اكس دوت كوم وهو ما جذب 100 مليون دولار للشركة من الداعمين والذي كان من بينهم المصرف الألماني ومصرف جولدمان ساكس.

ولكن للأسف بدأت الاختلافات في الرؤى تظهر كعائق بين أفراد الشركتين من أول طريقة إدارة الموظفين والاكواد البرمجية ومواكبة نمو قاعدة البيانات وهو ما جعل الشركة تفقد الأموال بسرعة كبيرة. وهذا ما دفع الموظفين بالاجتماع سراً ليقنعوا مجلس الادارة بعزل إيلون من إدارة الشركة، وبالفعل وأثناء ذهاب إيلون في رحلة لجمع الأموال وعندما هبطت طائرته كان قد تم استبداله وما أن سمع بذلك إيلون حتى عاد على الطائرة التالية.

حاول إيلون إقناع مجلس الإدارة بالعدول عن هذا القرار ولكن لم ينجح. كانت معاملة إيلون السيئة للموظفين والخسارة المالية الكبير التي تتكبدها الشركة أحد أهم الأسباب في اتخاذ هذا القرار. وكان موظفي شركة Zip2 والذين انتقلوا مع إيلون لشركة أكس دوت كوم ساخطين بشكل كبير بسبب الطريقة التي تم بها الموضوع. وبحلول شهر يونيو 2001 تم تغيير اسم الشركة إلى PayPal، وكانت رغبة شركة إي باي eBay بشراء باي بال كبيرة ولكن إيلون ماسك طلب من الادارة رفض هذه العروض حيث ان الشركة يمكنها أن تنجح كشركة مستقلة حيث بلغت عوائدها 140 مليون دولار سنوياً، وبالفعل مع رفض الشركة لعرض الشراء من إي باي، تجدد العرض مرة أخرى عام 2002 بقيمة 1.5 مليار دولار، وقد وافق ماسك ومجلس الإدارة على بيع الشركة وحقق ماسك ربحاً صافياً بعد خصم الضرائب 180 مليون دولار.

كان صدى صفقة البيع مدوياً وجلب على ماسك انتقادات كثيرة واتهامات أكثر وهو الجزء الذي يختتم به المؤلف هذا الفصل.

الفصل السادس: فئران في الفضاء

بعد حصوله على ملبغ كبير من صفقة بيع باي بال لشركة إي باي، توجهت أنظار إيلون بعيداً عن وادي السيليكون، وأصبح يعاوده حلم الطفولة بخصوص غزو الفضاء.

الفصل السابع: سيارات كهربائية بالكامل

كانت هناك شركة “إيه سي بروبولشن – AC Propulsion” تصنع السيارات الكهرباء منذ عام 1992 وكان المهندس “جيه. بي. ستراوبيل JB Straube” أقنع أحد أصدقائه في تلك الشركة بأن يجلب سيارت من موديل تي زيرو TZero ليقودها ماسك، وبالفعل انبهر بها ماسك بشدة وبدأ مفاوضة الشركة لعرض تمويل عليهم لتحويل تلك السيارات إلى سيارة تجارية (ذات جدوى اقتصادية يمكنهم أن يبيعوها على المستوى التجاري) ولكن الشركة رفضت وظلت تعرض عليه موديل آخر “إي بوكس ebox” يقول ستراوبيل عنها: “كانت تبدو رديئة للغاية ولم تكن جيدة الأداء ولا ملهمة ببساطة”. ولذلك لم تنتج اللقاءات بين ماسك وبروبولشن أي شيء سوى ترسيخ الفكرة في عقل ماسك.

تزامن في ذلك الوقت وجود شريكان أحبا فكرة صناعة سيارات كهربائية تكون بطاريتها من الليثيوم أيون بعدما ذهب أحدهم وهو المهندس “مارتن إيبرهارد” إلى مقر شركة بروبولشن، وقد أثمر ذلك بأن دفع لهم 500 ألف دولار ليستكملوا نشاطهم ويصنعوا أيضاً له سيارة كهربائية كاملة تعمل ببطارية الليثيوم أيون، ومثل أيلون عرض عليهم مارتن أن يتحولوا إلى صناعة نماذج تجارية بدلاً من الاكتفاء بكونهم متجر للهواة، ولكن أيضاً تم رفض اقتراحه، فقرر “مارتن إيبرهارد” بستأسيس شركته الخاصة.

بدأ الشريكان بدراسة النماذج المختلفة حتى يستقروا على ما سيصنعوه، وكانت في تلك الفترة توجد سيارة من إنتاج شركة تويوتا جذبت انتباه الأثرياء وعليه فكروا في صناعة سيارات كهربائية للأثرياء. وفي شهر يوليو (7-2003) قام “مارتن إيبرهارد” و”مارك تاربيننج” بيتأسيس شركة “تيسلا موتورز – Tesla Motors” والذي اختار الاسم هو “إيبرهارد” أثناء تواجده في نزهة مع زوجته في “ديزني لاند”. كانت العقبة الأولى هي كيفية إنشاء المصنع الذي سيقوم بتصنيع هذه السيارة. فقد كانت الشركات الكبيرة والمهمة في مجال السيارات عامة لا تصنع سياراتها بالكامل، ولكن كانوا يتعاقدون مع موردين مختلفين لكل شيء تقريباً، ولكن كانت فكرة الشريكان هو تصنيع السيارة بالكامل وذلك لتقليل التكلفة، وأن يقوموا هم بتولي مهمة بيع السيارة للعملاء مباشرة بدون أي وسطاء بيع. العقبة الثانية كانت هي العثور على المستثمرين الذين سيمولون صناعة النموذج الأولي والذي سيتكلف 7 ملايين دولار. هنا ظهر اسم “إيلون ماسك” والذي وافق على الفكرة وقدم لهم 6.5 مليون دولار ليصبح أكبر مساهم ورئيس الشركة (وهو الشيء الذي سيستخدمه ماسك فيما بعد لإبعاد “إيبرهارد” وتولي زمام الأمور).

كانت أول سيارة يعملوا عليها هي “رودستر – Roadster”، وكانت نقطة قوة شركة تيسلا عن أي شركة أخرى تصنع السيارات هي نجاحهم في جمع مئات البطاريات المصنوعة من الليثيوم أيون معاً في دائرة توازٍ وهو الذي جعلها في طليعة الشركات في هذه التكنولوجيا. وعام 2005 ظهر النموذج الأولي والذي قاده إيلون بنفسه وكان سعيداً جداً وقام بإضافة استثمار آخر ووعدت الشركة بتقديم أول سيارة للمستهلكين في عام 2006.

كان ماسك يريد سيارة كهربائية ممتعة، وقد أوضح ذلك في أحد الاجتماعات قائلاً بإنه يريد سيارة تستطيع زوجته “جاستين” قيادتها بطريقة مريحة وعملية. وفي عام 2006 قاموا بإظهار أول سيارة وهي “رودستر EP1” والتي أبهرت الجميع، ولذلك قاموا بجولة لتجميع بعض التمويل والتي انتهت بحصولهم على 40 مليون دولار. كان إيلون قد قام بإضافة استثمار بـ 9 مليون دولار ثم أضاف مرة أخرى أستثمار ب 12 مليون دولار. وكان مهندسوا الشركة قد قاموا بصناعة نموذج ثاني أحمر اللون يُدعى “EP2” وتم عرض كلا النموذجين في فاعلية أقميت في سانتا كلارا. كان من بين الذين حضروا حاكم الولاية وقتها “أرنولد شوارزنيجر” والمدير التنفيذي السابق لشركة ديزني “مايكل إيزنر” وقام العديد من الحضور بتجربة السيارة. بدأت الشركة تجذب أنظار الصحافة وبدأت الشركة في تجميع الملايين من المستثمرين، ولكن ما أغضب إيلون هو تعمد الصحافة لتجاهل اسمه عند الحديث عن الشركة رغم كل ما قدمه، فهو بتأكيد أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الشركة بأكلمها بل وفكرة السيارات الكهربائية.

ولكن بدأت وتيرة الإنتاج تصبح أبطء مع تزايد طلبات إيلون ماسك بالتعديل على المقاعد والأبواب وصناعة جسم السيارة من ألياف الكربون وتركيب مجسات إليكترونية على الأبواب لكي تُفتح ببصمة اليد بدلاً من جذب المقبض، وظهرت مشكلة أخرى وهي كيفية صناعة السيارات وبكميات كبيرة وهو عملية كادت تؤدي لإفلاس الشركة.

كانت تيسلا تفقد الكثير من المال وأصبحت تكلفة الانتاج عالية جداً سواء لانتاج البطاريات أو حتى تكاليف صناعة السيارة ولذلك قام إيلون بتعيين “رايان بويل” كمدير للشئون المالية بهدف إعداد الشركة لكي تُطرح للاكتتاب العام، ولكن ما وجده “رايان” في طريقة إدارة “إيبرهارد” كان مثيراً للقلق. وتجمعت المشاكل من بطء الانتاج وسوء القطع الواردة من الموردين وتأخير موعد تسليم السيارات للكثير من العملاء الذين دفعوا مقدماً للحصول على السيارة وأدى ذلك في النهاية إلى عزل إيبرهارد من منصبه وتعينه كرئيس لقسم التكنولوجيا وثم تصاعد الغضب بيه وبين إيلون وأصبح هناك عداءً بينهم (حتى يومنا هذا) وفي النهاية غادر المهندس الرئيسي وأحد المؤسسين الثلاثة “مارتن إيبرهارد” شركة تيسلا.

بدأ إيلون بالقيام بعمل لقاءات صحفية لطمئة العملاء وأقام معارض للشركة وتولى هو مهمة العرض بنفسه حتى شعر العملاء بمدى شغف إيلون، وتجددت ثقتهم به. وبدأ إيلون بتطبيق برنامج صارم لخفض التكاليف واستمرار العمل أيام السبت والأحد، وبدأت تظهر شخصية ماسك الذي يسُب ويغضب ويطرد لأقل الأسباب وهو ما جعل الكثيرين لترك الشركة. ثم حلت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.


سأعتبر ان ما سبق مجرد جرعة تشويق أولية لجعلك تقوم بقراءة الكتاب. ما سبق لا يمثل إلا جزء صغير جداً من الملحمة القادمة التي ستعرفك على الشركة الأقرب لشخصية إيلون ماسك، أي “سبيس أكس – SpaceX”. ستعرف عن قرب مدى عمق شخصية “ماسك” ومدى رغبته في تحقيق أهدافه، وكيف يقوم بتغيير صناعة الفضاء بالكامل مما سيجعل شركته هي المنافس الأمريكي الأقوى ضد باقي الدول التي تعمل في مجال الفضاء مثل روسيا والصين والهند وآسيا.

إيلون ماسك أيضاً أنشأ شركات أخرى مثل شركة “سولارسيتي SolarCity” لتصنيع ألواح الطاقة الشمسية، وشركة تقدم فكرة جديدة للمواصلات العامة “هايبرلوب Hyperloop”، ومصنع “جيجافاتكتوري GigaFactory” لإنتاج بطاريات الليثيوم أيون، فكما يتحدث الكتاب فإن كل الشركات أو المصانع التي يُنشئها “ماسك” تكون مرتبطة ببعضها البعض، وتعتمد إحداهما على الأخرى.

في النهاية قد أقوم في المستقبل بإضافة نبذة صغيرة عن كل فصل حتى تكتمل التدوينة بالكامل، ولكن لا تعتقدون ان قراءة التدوينة تُغني بأي حال عن قراءة الكتاب. الكتاب مُلهم جداً ونموذج حي على أنه إذا كنت شغوف بشيء بحق… ستحققه وبشكل ساحق.

الناشر: مكتبة جرير
الطبعة الأولى 2016
عدد الصفحات: 391
الترقيم الدولي: 9789927101137

Leave a Comment

هوس العبقرية: الحياة السرية لماري كوري – باربارا جولد سميث

هوس العبقرية.png

التقييم 5/5

كانت ليلة السبت تمثل فاصلاً محبباً للأطفال في حياتهم المنضبطة الصارمة. فقد كان والدهم -الذي كان يجيد اللغات الروسية والفرنسية والألمانية والإنجليزية بطلاقة إلى جوار البولندية- يمضي الفترة من 7 إلى 9 مساءاً في القراءة بصوت مسموع لبعض الكتب مثل “دافيد كوبرفيلد” ويترجم ما يقرأه مباشرة إلى البولندية.

كانت الأيام والأمسيات مخططة بعناية بين فترات للاستذكار وفترات للتمارين الرياضية. وقد استعادت “مانيا” ذكريات تلك الفترة قائلة أن أبسط الحوارات اليومية كانت تنطوي على دروس في الأخلاق أو في المواد الدراسية، وأن مجرد التنزه سيراً على الأقدام في المناطق الريفية كان لغرض شرح ظاهرة علمية أو سر من أسرار الطبيعة، وكان غروب الشمس مدخلاً لحديث حول التحركات الفلكية.

يبدأ الكتاب بمشهد نقل جثمان “ماري كوري” وزوجها “بيير كوري” إلى البانثيون (مقبرة العظماء) بحضور الرئيس الفرنسي “فرانسوا ميتران”، لتكون أول وأخر إمرأة (حتى الآن) تُدفن في المقبرة.

من المعروف عن “ماري كوري” هي تلك المرأة الاسطورية التي حصلت مع زوجها على جائزة نوبل في الفيزياء لاكتشافهما الراديوم (رغم أن اكتشافهم ظاهرة للانبعاث الإشعاعي كان هو الأساس) ثم حصلت منفردة على جائزة نوبل في الكيمياء لتحضيرها الراديوم كيميائياً ثم حصلت ابنتها أيضاً على جائزة نوبل في الكيمياء لتحضير الراديوم صناعياً. ولكن خلف الكواليس حياة مليئة بالفقر والحرمان والعنصرية، حياة مليئة بالآلام والفشل والحب.

“ماريا سكلادوفسكا كوري” أو “مانيا” هي الأخت الصغرى لثلاثة أطفال من أسرة بولندية فقيرة لوالد فيزيائي محب للعلوم. ولدت عام 1867 وهو نفس العام الذي نشر فيه “كارل ماركس” الجزء الأول من كتابه الأشهر “رأس المال” ونفس السنة أيضاً التي سجل فيها “ألفريد نوبل” أختراعه (الديناميت) وهي نفس فترة الاحتلال الروسي لبولندا، وساد ذلك الوقت السيطرة الروسية على المدارس البولندية وإجبارهم على تدريس التاريخ الروسي والتحدث باللغة الروسية وأيضاً التعامل بالعملة الروسية. ولكن استطاع الوالد -وهو فيزيائي بارع لم يأخذ فرصته- أن يزرع في أبنائه حب العلوم والثقافة. فعلى سبيل المثال كانت “ماري” وهي في عمر الـ 18 تتحدث ثلاث لغات وتقرأ في الطب والرياضيات والفيزياء.

يرصد الكتاب رحلة كفاح “ماري” طوال عمرها وقصة صعود أشهر عالمة في تاريخ العلوم حتى الآن في وقت لم يكن للنساء أي دور في المجتمع إلا الزواج وتربية الأبناء فقط. ويسرد لنا أيضاً رحلة اكتشافها لظاهرة “الانبعاث الإشعاعي” واكتشافها لعنصر “الراديوم والبولونيوم”. ومن سيقرأ الكتاب سيعرف سبب الاسم “هوس العبقرية”، فـ “ماري” بالفعل كان لديها هوس بالعلوم وأدى هذا لأن تكون أول سيدة في تاريخ “السوربون” تحصل على درجة علمية في الفيزياء والرياضيات وأول سيدة تحصل على منصب أستاذ وأول سيدة تحصل على جائزة نوبل، بل وأول سيدة تحصل على جائزتين نوبل في فرعين مختلفين من العلوم (الفيزياء والكيمياء).

كان كل الأطفال في أسرة “سكلادوفسكي” أذكياء متفوقين في المدرسة إلا أن “مانيا” كانت أكثرهم ذكاء. وعندما كانت في الرابعة من عمرها شاهدت كيف تجاهد أختها الكبرى “برونيا” لتقرأ في كتابها، فما كان منها إلا أن التقطت الكتاب وقرأت بصوت مسموع الجملة الأولى دون أدنى تعلثم. ولما رأت الدهشة تعلو وجوه من حولها أخذت في البكاء وقد أيقنت أنها قد اقترفت خطيئة لا تغتفر “لم أكن أقصد ذلك” قالتها “مانيا” بأنين وحزن “لكنها كانت سهلة جداً”. وبعد عدة سنوات قرأ أحد معارفهم قصيدة شعر على مسامعها فطلب منه نسخة منها. قام هذا الشخص باختبارها فقال لها إنه سيقرأها لها مرة أخرى، وحيث إنه من المفترض أنها تتمتع بذاكرة جيدة فإنها بلا شك ستحفظها عن ظهر قلب. قرأ الشخص القصيدة، وانتحت “مانيا” جانباً في إحدى الغرف لتعرد بعد نصف ساعة وقد كتبت القصيدة بالتمام والكمال.

كانت “ماري” متفوقة دراسياً منذ صغرها وتخرجت من المدرسة وهي الأولى وحصلت على المدالية الذهبية كأفضل طالبة عام 1883م، واستطاع والدها أن يضمن لها مكان في أحد المدارس العاليا -تحت رقابة روسية شديدة- وكانت أصغر من أقرانها في الفصل، ورغم العنصرية التي واجهتها استطاعت أن تتخرج بتفوق. وظلت تعمل لمدة ثمان سنوات حتى تستطيع الالتحاق بالسوربون لتدرس الفيزياء. وهناك قابلت حب حياتها “بيير كوري”. وكان “بيير” هو من ساعدها في بحثها العلمي عن طريق تدريبها على أجهزة القياس الدقيقة (وهي أجهزة كان له السبق في إحتراعها) وتعليمها ما يتعلق بالمجال المغناطسي، بل هو من حدد لها مجال البحث.

كانت تتصدر “ماري كوري” وزوجها “بيير كوري” الترشيح لجائزة نوبل منذ دورتها الثانية ولكن العنصرية تجاه السيدات من المجتمع العلمي كانت دائماً تحول دون الحصول عليها، وحتى عندما قرروا منحهم جائزة نوبل، كانت ستكون باسم زوجها فقط ولم يذكروا اسمها، بل أن في ديباجة فوزهم بالجائزة كان يُشار إليها بـ “مدام كوري” رغم انها حاصلة على درجة الأستاذية مثل زوجها. ولكن تصميم “بيير” ورفضه للحصول على الجائزة إلا إذا تضمنت اسم “ماري” هو ما شكل عامل ضغط على “الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم” حتى وافقوا على منحها جائزة نوبل مناصفة مع زوجها في الفيزياء عام 1903م. وبعد ذلك طُِلب من زوجها أن يُلقي خطاب وليست هي (رغم أن هي من اكتشفت ظاهرة الإنبعاث الإشعاعي وعنصر الراديوم)، ولكن لم يفوت زوجها الفرصة وأعطاها حقها في خطابه أمام الجمعية ونسب لها الفضل الرئيسي وليس هو. وتكرر ذلك مرة أخرى عند حصول ابنتها “أيرين كوري”، حيث كانوا يشيرون فقط إلى زوجها “فريدريك” ولكن فريدريك أعطى أيرين حقها ولم يغفل عن ذكر “ماري كوري” التي لولاها لما كانوا توصلوا لشيء.

وصلت شهرة “ماري كوري” لأن تطبع صورتها على طوابع البريد والعملات الفرنسية من فئة الـ 500 فرنك وشوارع تحمل اسمها، حتى أطلق اسمها على أحد أنواع السيارات. بل أن ظهرت حُمى “الراديوم” بشكل خادع على انه يشفي الأمراض، وسارعت شركات مساحيق التجميل في التسويق لمنتجاتها التي تحتوي على الراديوم وأنتشرت المنتجات التي تحتوي على الراديوم التي تطيل العمر، وتزيد الفحولة الجنسية وتقوي شعر الرأس وتشفي من السرطان. بل أن شهرة “النشاط الإشعاعي والراديوم” طغت على شهرة “الكهرباء” في معرض باريس العالمي 1900م.

كانت وفاة “بيير” (زوج ماري) علامة فاصلة في حياتها، فازداد اكتئابها وانعزلت أكثر عن بناتها (أيرين وإيف) أكثر وانعمست في العمل بشكل محموم وهو ما أدى إلى تحضير عنصر الراديوم كيميائياً وحصولها على جائزة نوبل في الكيمياء منفردة.

ثم يبدأ الكتاب بسرد قصة الحب بين “ماري كوري” و”بول لانجفين” وما فعلته الصحافة اليمينية المتطرفة خاصة مع تزامن هزيمة فرنسا من روسيا في الحرب وصعود النازية والتعصب ضد الأجانب. ودول ماري كوري وابنتيها في الحرب العالمية الأولى في مساعدتهم في استخدام “الأشعة السينية” للشكف على الجنود وإخراج طلقات الرصاص من أجسادهم.

نعم لقد كانت إنجازات ماري كوري وحياتها شيئاً عظيماً. فهي لم تتأثر بتشكيك زملائها العلماء وعاشت في عالم يضع قواعده الرجال. لقد عاشت حياة تراجيدية رائعة. وبكلماتها الشخصية:

إنني من هؤلاء الذين يعتقدون أن في العلم جمال رائع. إن العالم في معمله ليس مجرد عمل فني، إنه أيضاً طفل وُضِع أمام خاصية طبيعية أذهلته مثل قصة خيالية. ويجب ألا نسمح بالاعتقاد أن كل التقدم العلمي يمكن أن يُختزل لمجرد آلية، ولا أعتقد أن روح المخاطر ستختفي في عالمنا. فإذا رأيت أي شيء مليء بالحيوية حولي فإنه بالضبط روح المخاطرة التي تبدو غير قابلة للهدم.

توفت “ماري كوري” و”أيرين كوري” و”فريدريك” زوج أيرين وكثير من العاملين في مجال النشاط الإشعاعي بسبب “الراديوم”. رغم معرفتهم بالتأثير الإشعاعي عليهم فلقد اختاروا أن يتجاهلوا ذلك عمداً. فقد أعتبروه “المرض الهني” الذي صاحب آل كوري. ومازالت حتى الآن مذكرات آل كوري تحتوي على نسبة إشعاع!

الكتاب مكتوب بلغة أديبة سهلة وممتعة. أنصح بقرائته بشدة لكل شاب وشابة (بل ويجب أن تُدرّس قصة حياتها في المراحل الابتدائية في مدارسنا) لتكون رمز للكفاح الإنساني العظيم في تحقيق أهدافه.

إذا كنت من المحبين للمسلسل الأمريكي “نظرية الانفجار الكبير The Big Bang Theory”، ربما ستجد تشابه بين شخصية “بيير وماري كوري” في “شيلدون كوبر وإيمي فاولر”.

وأخيراً، الغلاف ليس له أي علاقة بالكتاب أو موضوعه، فهو يُظهر فتاة وتيليسكوب. ولا أعرف ما علاقة هذا بماري كوري!

Leave a Comment

ثلاث قصص علمية: البيولوجيا. التطور. الوراثة – أحمد شوقي

ثلاث قصص علمية

التقييم 3/5

الكتاب من نوعية الكتب العلمية الموجّهة لغير المتخصصين (أمثالي). عبارة عن ملخص لتاريخ ثلاث علوم مرتبطة ببعضهم وهم: البيولوجيا والتطور والوراثة. وبالتالي الكتاب مقسّم إلى 3 (ثلاث) أجزاء رئيسية.

الجزء الأول (البيولوجيا): هو فكرة عامة عن البيولوجيا ومدى ارتباطها ببعض العلوم الأخرى، ولكن هذا الجزء بالتحديد كان أصعب جزء في القراءة بالنسبة لي، لأن الكلام لم يكن متسلسل بشكل منطقي. فالكاتب ظل يرجع ويتقدم بالزمن ويتحدث عن نفس الأشياء مراراً وتكراراً بشكل مختلف، ولذلك كان الجزء الأول مُملّاً في قرائته. ينتهي هذا الجزء بملحق، عبارة عن ألبوم صور لبعض العلماء، والكتب الذين تحدث عنهم الكاتب خلال هذا الجزء.

الجزء الثاني (التطور): وهو أفضل أجزاء الكتاب بالنسبة لي. فهو يسرد (يحكي) بشكل رائع قصة العالم “داروين” وقصة كتابه الأشهر “أصل الأنواع” وما هي الأحداث التي جعلته يكتبه وينشر الكتاب. وأيضاً يتحدث عن بعض العلماء السابقيين لداروين الذين كان لديهم نفس النظرية ولكن العمل المؤسسي والطريقة التي جمَّع بها داروين الخطوط هي ما أعطت نفخة الحياة لهذا العلم الجديد والقديم في نفس الوقت. وأيضاً مساهتمتنا نحن العرب في هذا العلم من خلال علماء أمثال: ابن سينا، والرازي، والجاحظ، وابن مسكويه…الخ. ويتعرض أيضاً الكاتب في هذا الجزء للنظرة الدينية التي تُعادي نظرية التطور وما يدور حولها من شائعات لمناصرتها للإلحاد، بل عدائنا نحن كشعوب عربية لتلك النظرية. وينتهي الجزء بحوار تخيلي للعالم داروين مع تمساح كبير، وهو ملخص سريع للجزء الثاني.

الجزء الثالث (الوراثة): عرض سريع لتاريخ العلم ومدى تطوره، وتعريف سريع لـ (مشروع الجينوم العالميHuman Genome Project). بالرغم من ان الجزء يُسمى (التطور) إلا ان حديثه عن مؤسسه وهو “مندل” لم يكن بنفس الشكل الذي تحدث فيه الكاتب عن “داروين” في الجزء الثاني. هناك أيضاً خط زمني يعرض اللحظات الهامة في تاريخ هذا العلم منذ 1650م حتى 2000م وقت ظهور المسودة الأولى لمشروع الجينوم العالمي بالتعاون مع الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص متمثل في “كريج فنترCraig Venter” مؤسس شركة “سليرا جينومكس – Celera Genomics“.

الكتاب مفيد لمن يرغب في جرعة معلومات علمية عامة.

 

Leave a Comment

أشهر 50 خرافة في علم النفس – مجموعة مؤلفين

اشهر 50 خرافة في علم النفس

التقييم 5/5

من الكتب القليلة اللي الواحد استمتع بيها اثناء قرائتها، والكتاب فكرني بسلسلة الدكتور أحمد مستجير: “في بحور العلم”.

لغة سهلة وجميلة، وسرد مُفصَّل للحقائق العلمية، وكتابة المراجع باستمرار طوال الكتاب.

هاتكتشف كمية معلومات خاطئة كنت بتصدقها، مثل استخدام الانسان لـ 10% فقط من قدرات دماغه، أو ان الفص اليمين مسؤل عن حاجات وان الفص اليسار مسؤل عن حاجات أخرى، وأن الفكرة بتاع اني ارتبط بالشخص المناقض لي علشان نكمل بعض دي خرافة وان ده سبب رئيسي من أسباب الانفصال، وان الشاهد العيان ليس دائمًا صادق حتى إن اعتقد الشاهد نفسه بذلك، وان اجهزة كشف الكذب اللي بتستخدمها الاجهزة الأمنية حتى الآن ليست دقيقة إطلاقاً.

الكتاب دائماً بيذكر امثلة من السينما بتوضح تأثيرها بتلك الخرافات، وانها كانت أيضاً أحد الأسباب اللي ساهمت في نشر تلك الخرافات.

الكتاب بينتهي بدعوة لكل علماء العلوم انهم يؤلفوا كتب زي دي في كل مجال، زي الطب مثلاً.

 

Leave a Comment

تاريخ موجز للزمان – ستيفن هوكينج

تاريخ موجز للزمان

 

التقييم 5/5

كتاب مكتوب بلغة بسيطة بيشرح بشكل عام وسريع مراحل تطور معرفتنا بالكون من حيث الزمن والمكان.

وكمان الكتاب مقدمته بتناقش الفترة لما كان العلم له نظرة للكون ووضع كوكب الارض وشكلها، ولما جه كوبرينيكوس وجاليليو، وازاي انه ممكن جداً يكون العلم متفق على حاجة ويثبت خطأها بعد ذلك، زي اللي عمله نيوتن ثم اينشتاين ثم ظهور نظرية ميكانيكا الكم.

الكتاب شيِّق، رغم انه استخدم تشبيهات كثيرة علشان يحاول يوضح النظرية العلمية ولكن كان في اماكن كتيرة القراءة صعبة عليَّ خاصة الثلث الاخير من الكتاب.

Leave a Comment